يوهان فايربر ملاحقاً طيف الكاتب الكبير

روجيه عوطة

الثلاثاء 2021/04/27
لقد مات الكاتب الكبير منذ زمن، أي يوم أعلن أنطوان كومبانيون وفاته مع رحيل جان بول سارتر. لكن، يوهان فايربر في كتابه(*) الصادر مؤخراً، يخبر أن ذلك الكاتب، وعلى الرغم من رحيله، ما زال طيفه يطغى في مجال الأدب الفرنسي. إذ إنه شبيه بكونه بغية عامة، يحاول عدد كبير من المقيمين في ذلك المجال الدنو من تحقيقها، كما لو أنه هاجسهم الأساس. فلا بد لهم، وفي اثر وضعه هذا، من تحولهم اليه، والا عندها لا يمكن القول أنهم أدباء، كما لا يمكن القول أنهم "ناجحون". فالأديب، ولكي يكون "ناجحاً"، يجب أن يكون كبيراً، أو أن يحلم بذلك من دون توقف.

بالطبع، يشير فايربر الى تبدل في مفهوم الكبر. فلم يكن في أيام اميل زولا، هو نفسه الآن. الكبر القديم اذا صح التعبير كان يتعلق أكثر بوقع النص على قرائه، بدور كاتبه في سياق ما، وقبل ذلك، بقدرته على أدبه، وعلى التغيير من خلاله. أما، الكبر الجديد فهو يتعلق بذيوع صاحبه، بانتشار صورته ميديوياً، بالبعيد من ارتباطه بأدبه، بأسلوبه. فعلياً، المقارنة بين السابق والراهن هنا لا تعني أن فايربر يفضل الأول على الثاني، إنما هو يجد الكبر الجديد هو بمثابة مواصلة للكبر القديم، أو بالأحرى هو إعادة تدوير نوستالجية له. فلأن الأدب الفرنسي لا يستطيع الانصراف من صفة الكبر، فيركن الى رسكلتها، من دون أي جهد من أجل ضمها الى تاريخه، وطي صفحتها. في هذا المطاف، يعود فايربر الى المقولة الشهيرة "موت المؤلف" على أساس أنها كانت بمثابة محاولة من محاولات الانصراف تلك، ولكنها، لم تثمر، بحيث، ولاحقاً، فرغت من محتواها، وصارت طريق الى ولادة المؤلف ذاته، تماماً، كما دلت عليه إصدارات الحجر الصحي. فقد فلفش فايربر فيها، ووقع داخلها على آثار ذلك المؤلف، الذي يتحدث مع قرائه عن عيشه، ساعياً الى جعله حالة لتمثلهم بها على أساس أنه العيش بعينه، وخلال هذا، يريد أن يكون كاتبهم الكبير.

لكن الكاتب الكبير ليس مجرد حلم الأدب، حلم مؤلفه إياه، فقط، بل، ولأنه هكذا، هو حلم العهد الماكروني بما هو العهد النيوليبرالي أيضاً. وهذا، بالانطلاق من ابتغاء صناعته كمنتج محلي لتصديره، للمنافسة به. كما أن الكاتب الكبير هو حلم شوفيني بامتياز، بحيث أنه كاتب الوطن، الذي يريد أن يحمي أدبه، لغته، من كل غريب. في هذه الجهة، يجده فايربر في ويبليك، الذي يتمكن من إنتاج أدب وطني بما هو أدب يميني متطرف، تملأه الكراهية، والعنصرية، ورهاب المثلية. فهذا الروائي هو الكاتب الكبير وموته على حد سواء بحسب فايربر، أي أنه تحقيق ما تبقى منه في اللاحق على موته، كما لو أنه المؤلف الذي عاد مع انقضاء وقت على موته. في الواقع، فايربر، وفي مقاربته لميشال ويلبك، يستكمل ما بدأه في كتابه عن "بعد الادب"، كما يستكمل استفهامه نفسه ايضاً حول كيفية كتابة الأدب بعد الكاتب الكبير، بعد دفنه. ولهذا، هو يرتكز على أدباء من قبيل دومينيك دوبار، وأوليفييه كاديو، وفيولين شوارتر، وكريستوف أونوريه، وغيرهم، بحيث أنهم يقدمون في تجاربهم كتابة لا تهجس بالكبر، ولا بمشروعه، إنما تنطوي على همومها التي لا صلة لها بهاجس الكاتب الكبير.

فأدبهم هو الذي يبتعد عن هذا الطيف، أو بالأحرى الذي، وبطريقة غير مباشرة، يبديه أنه كذلك، مثلما يؤكد على كون إعادة تحقيقه تجعله مجرد هيئة كاريكاتورية. فهذا الأدب، وحتى لو لم يأخذ على عاتقه أن يضع الكاتب الكبير خلفه، فهو، وبوجوده أقله، يجعله من ماض مضى.

(*)Le  grand écrivain, cette névrose nationale, éd. Pauvert, mars 2021.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024