جوزيف صايغ... انتهت حياته في الغربة

المدن - ثقافة

الجمعة 2020/11/06
رحل الشاعر والمترجم والناثر اللبناني الزحلاوي، جوزيف صايغ، في باريس، عن عمر ناهر التسعين عاماً، وهو الذي لطالما قال "حياتي ستنتهي في الغربة"، وفعلاً انتهت حياته في الغربة. ونعته بلدية زحلة ومجموعة من الكتّاب الزحليين والمقربين منه، وهو الشاعر المغترب الذي كان مسكوناً بمدينته البقاعية "فأنا زحلة حبي، حيثما كنت كانت/أو تكن، كان الوجود...". وفي سفره الأدبي لم يغترب عن زحلة، فكتب فيها يقول:
"كل يوم لنا رجوع اليها
ولنا الراي خافقات عليها
ما رأينا الى جمال وهمنا 
غير ذلك الجمال في عينيها
إغتربنا، ولم نفارق كأنا
إغتربنا عنها ولكن إليها".

كان صايغ مشغولاً بالثقافة والترجمة وأناقة كتبه في الشكل واللغة والطباعة. كتب عن أشياء الجمال عند سعيد عقل، وكتب اليوميات والمقالات، وتأمل في النثر واللغة والمرأة والوجود والوطن والمغترب. يتحدث الباحث موريس النجار في كتابه "طيور المحابر" عن مذهب جوزف صايغ الشعري والأدبي: "هو شاعر حرٌّ الأداء، لا ينتسب إلى مدرسة، أو يحصره مذهب"، وله رأي في قصيدة النثر: "وليس الشعر نثراً شعرياً ولا هو بشعر منثور. النثر الشعري امرأة جميلة تتخطر، وأما الشعر فباليرين: امرأة راقصة، لغة تخرج من اللغة على اللغة لتجعلها مبدأ". وعن "أسلوبه ولغته" يقول النجار: "الأسلوب الصايغي مترف لا يشكو تقشفاً لغوياً، بل يزينه بذخٌ، وتسامٍ عن المبتذل والمكرور...". وأما عن كتاب الشاعر صايغ الفريد "كتاب آن – كولين" فيعتبره النجار "سفراً في العشق، ما أتحفتنا المكتبات بمثيله، ولا أوتي لشاعر من قبل أن نذر أنفاسه ومداده لرحلة حب صوفية طويلة، أدعيتها حُرق الجوارح في أنغام سماء".

وقال عنه الشاعر خليل فرحات: "انه كاهن الكلمات، يعرف رعيته قصيدة قصيدة، ومقالة مقالة، وهو الراعي ينادي خرافه بأسمائها، ويعرف أصل كل كلمة ويتقن طباعتها ونوع مشيتها، ورائحة عرقها".

ووصفه أنسي الشاعر الحاج بـ"صليب لبنان"، وقال وهو يكتب عن جوزيف صايغ، شاعر آن كولين: "أأنتَ عاشقٌ أم وحش؟ كيف استطعتَ أن تجمع في كيانك كلّ هذا الحبّ/البحر ومعه كلّ هذه اللغة البحر؟ أأنت ذو قلبين أم أنتَ مجموعةٌ من الشعراء في عاشق واحد؟"...

وغداة وفاته كتب الدكتور فارس ساسين في "فايسبوك": "توفي في باريس الشاعر الصديق جوزف الصايغ وهكذا فقدنا في العام ذاته وعن العمر ذاته شاعرين كبيرين من العمر نفسه، وفي مدينة واحدة، صلاح ستيتيه وهو. كرّس جوزيف حياته للكتابة نثرًا وشعرًا وأنفق كل ليرة كسبها على نشر كتبه فجاءت كلها جميلة وأنيقة وفاخرة. نشرنا له في دار النهار وفي أربعة أجزاء مؤلفاته الشعرية الكاملة وكان "كتاب آن كولين" المجلد الثاني رغم أنه لم يكن يعتبره شعرًا وتفضيله له على سائر المؤلفات. ظل يؤلف حتى اليوم الأخير ونشر في العام السابق نوعًا من المذكرات (دار نلسن) وديوان شعر بالعامية (يحوى رأيًا جذريا في الدين) وزعه على الأصدقاء المقربين. كما أعدنا نشر كتابه الأول "سعيد عقل وأشياء الجمال" (دار النهار) الذي نال إعجاب المستشرق جاك برك فأشرف على أطروحته في الدكتوراه. 
تحية له في خلوده القادم"!

وكتب الشاعر جوزيف عيساوي في "فايسبوك": "رحل اليوم جوزيف الصايغ مريد سعيد عقل والجمالية اللبنانية، نثراً وشعراً، برومانسيتها وبرناسيتها ورمزيتها. عرفته في الثامنة عشرة من عمري عبر كتابه الشعري بالنثر، "آن-كولين"، وامتدحته خلال ندوة في "الحركة الثقافيّة-انطلياس" كان الشاعر على منبرها مع الصديق عباس بيضون. لاحقاً وخلال سهرة في منزل فادي ابو خليل، على الأرجح، وربما عقب النقاش مباشرة، قال لي بيضون: "لا نوافقك الرأي بخصوص آن-كولين". مع السنوات تبدّل ذوقي لأرى فيها دفتر يوميّات استاذ أغرم بتلميذته (وينن جماعة "البوليتيكلي كوريكت"؟) مبالغات غنائية وانثيالاً عاطفياً لا يتحمّله الأدب، بما فيه شعرُ الحبّ، كما بتّ أراه. الآن أعود الى الكتاب الذي "لا يعتبره (الصايغ) شعراً و(لكن) يفضّله على سائر المؤلّفات" بحسب فارس ساسين، المدير السابق لدار النهار التي طبعت أعماله الشعرية الكاملة (ومن ضمنها الكتاب المذكور!). انشر هنا مع غلاف الكتاب وصفحات متفرّقة منه، الغلاف الأخير للطبعة الثانية (1974) وعليه كلمة انسي الحاج اعجاباً: "قبل ان يقرأه ليسكت كل شاعر حب عن الكتابة". وذكرَ لي شاعر صديق لأنسي انه "نادم" على تلك الكلمة، ربما لأن الحاج كتب "الرسولة بشعرها الطويل" (1975) تحت تأثير "آن -كولين" وطبعاً "نشيد الأناشيد" وطبعاً عشقه "صوت" فيروز بل "شخص فيروز" كما كتب في مقال عنها تلك الفترة في "ملحق النهار".

سيرة
ولد الشاعر جوزف صايغ في زحلة، العام 1928، سافر الى باريس في 1954 حيث أتم دروسه في جامعة باريس- السوربون حتى الدكتوراه، وعمل في التعليم والصحافة، وعيّن ملحقاً ثقافيا في مندوبية لبنان الدائمة لدى اليونيسكو، وقد شارك بهذه الصفة في مؤتمرات دولية مختلفة. أسس العام 1950 الرابطة الفكرية، وفي 1991 أسس المؤسسة العالمية للمؤلفين باللغة العربية. وهو عضو في المؤسسة العالمية للعلاقات الثقافية – باريس. 

المؤلفات
شعراً:
ـ قصور في الطفولة 1964
ـ المصابيح ذات مساء 1972
ـ كتاب آن ـ كولين 1973
ـ العاشق 1988
ـ القصيدة باريس 1992
ـ الديوان الغربي 1993
ـ الرقم واللازورد (...)

نثراً:
ـ الوطن المستحيل، ضريح للقرن العشرين، المجرّة الأبجدية، حوار مع الفكر الغربي، معيار وجنون، مجرّة الحروف

من شعره:
أسْـــــوَد
هبط الليل, وامَّحى في الضبابِ    
عالَمٌ حُمَّ في حميم ثيابي
جمَّد الجَهْدَ في الجفون فظلت    
من ذهولٍ, شواخصاً في السَّحاب
وسعى الدرب باغترابي إلى ما    
لست أدري على دروب الغياب
فأنا ليلة تضاف إلى الليـ    
ـلِ فَيَدْجو بالألْيَلِ الخلاَّب
أبداً سائرٌ مكاني! ودوماً    
في ارتحالٍ, خلف ارتحال الشهاب
فوق كل الدروب أقدام تطوا    
في, وفي كل حانةٍ أصحابي
أخْلِسُ الأسمرَ المرقَّق بالوجْـ    
ـدِ على بعض رونقٍ غلاّب
أنظِمُ الأسْودَ الذي قيل ليلاً    
وهْو شِعْرٌ فالليل من آدابي
واحدٌ نحن, في المثنَّى وفي الجمـ    
ـعِ كلانا حشْدٌ من الأحباب
بعض عُبْداننا الكؤوسُ; تسلْطَنْـ    
ـنَا عليها! يا بهجة الُّسكَّاب
إن فيها قصورنا ومقاصيـ    
ـر الجواري وكِسْرويَّ النِّخاب
قد نَعِمْنا بما التخدُّر يُنسي    
وتسلَّينا بالهوى العيَّاب
أنا سُكْري كي أُذهِلَ العقل بالوهْـ    
ـمِ فيصحو, ولا يعود صوابي
فأراني, كالراح, روحاً تصفَّتْ    
فأضاءت,, وفُضَّ عني ترابي
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024