مارتين فرانك.. داخل كل مصوّر شخص متلصص

جوزيف الحاج

الأربعاء 2018/11/07
افتتحت مؤسسة "هنري كارتييه- بريسون"، معرضاً إستعادياً لمارتين فرانك (1938- 2012)، وذلك لمناسبة انتقالها إلى مقرها الجديد.

فرانك هي زوجة هنري كارتييه- بريسون، بجهودها وُجدت هذه المؤسسة التي رسّخت حضورها في الوسط الفوتوغرافي العالمي، كما اسم هنري كارتييه- بريسون، أو "عين القرن"، الذي تحوّل مرادفاً لفوتوغرافيا القرن العشرين.

بدأت منذ 2011 مع صديقات في الإعداد لهذا المعرض، من بينهن الكاتبة اللبنانية دومينيك إده، مدركة قرب أجلها بسبب المرض، فخورة ومطمئنة لما حققته تجاه هذه التركة العائلية التي أودعتها المؤسسة التي أنشأتها. ضم المعرض الحالي أعمالها المصوّرة، من بورتريهات ومشاهد طبيعية تجريدية، اختصرت نظرتها الإنسانية الرقيقة، المتفلتة من السياسي، إضافة إلى وثائق وأفلام (8) ومقابلات معها وكتبها(21).  

لم تفارق طوال حياتها "مسرح الشمس" الذي أسسته مع منوشكين. في 1970 تزوجت هنري كارتييه- بريسون الذي شجعها على المثابرة. انضمّت إلى "ماغنوم" التي لا تزال توزع صورها.

بلجيكية الأصل، نشأت بين بريطانيا والولايات المتحدة، في كنف عائلة تجمع الأعمال الفنية. درست تاريخ الفنون. رحلتها إلى الشرق الأقصى في 1963 بدّلت طموحاتها. لم تكن تخطط لتصبح مصورة فوتوغرافية عندما وصلت إلى كاتماندو "قبل (الهيبيز)": "سافرتُ من دون أفكار مسبقة، لأكتشف ببساطة، العالم وذاتي" كتبت، حاملة معها كاميرا استعارتها من قريب لها، ترافقها المخرجة المسرحية أريان منوشكين، صديقة الطفولة. زارت الصين المنغلقة على ثورتها آنذاك، ثم اليابان، الهند، النيبال، أفغانستان...

عادت إلى باريس وفي ذاكرتها جمال الشرق الكامن في الوجوه والطبيعة والحياة اليومية وأشيائها التي وجدت متعة في تصويرها: "لم أشعر بسعادة وبحرية مثلما شعرت في رحلتي هذه". بعدما أطلعت "تايم- لايف" على صور رحلتها تلك، عرضت عليها التعاون، أدركت فرانك حينئذٍ أنها وجدت طريقها: " دخلت الفوتوغرافيا إلى حياتي صدفة، كنت في طريقي لأصبح مصورة". دخلت إلى وكالة "VU" في 1970. شاركت في تأسيس وكالة "فيفا" مع سبعة زملاء: "كانت "فيفا" أساسية لأنها انطلاقتي". اختارت اسم "فيفا" كـ"صرخة فرح" قالت المرأة الوحيدة في هذه الوكالة، لذلك لقبت بـ"بيضاء الثلج"(BLANCHE NEIGE)".

خالفت مارتين الكتومة جدالات زملائها السياسية التي وسمت حقبة السبعينات، لاهتمامها بالحياة اليومية، خصوصاً مع مباشرتها في تحقيق أضخم مواضيعها "عائلات في فرنسا". في 1973، كرّس وقتاً لكتابها "أوان الكهولة". في 1980 دخلت "ماغنوم". تعاونت مع الجمعيات الإنسانية، فصوّرت مواضيع عن الوحدة والإقصاء والشيخوخة وحقوق المرأة. تحول عملها أكثر ذاتية، مع ميل إلى الصورة الصحافية الإنسانية، فاختارت المواضيع الإجتماعية الأشد تأثيراً في الشهادة على الواقع. لم يكن لصورها أي صخب أو إثارة: إنها صور تقليدية، معتنى بألوانها السوداء والبيضاء، باستثناء صور المسرح التي شاءتها بالألوان. تكويناتها هندسية، إنحناءات وخطوط وأطر. عكست بورتريهاتها أمانة مواقفها من الآخرين وبحثها المستمر في أعماق ذواتهم: "أحاول تصوير من أحب ومن أعجب بهم" تقول فرانك الخجولة، المتلاشية أمام شخصياتها. لا يزال في تلك الصور ما هو غير مرئي كفاية، رغم مرور الزمن. عن عملها مع الفنانين قالت: "أتحدث معهم لأريحهم. لم أكن أجرؤ على مواجهة الآخرين. كاميرتي تهدئ من قلقي. كانت حجة لإختلاطي بالآخرين".


عفوية، ثقافتها بورجوازية أنغلو- ساكسونية. نظرتها موضوعية: "في داخل كل مصور شخص متلصص". لختارت الكاميرا بمثابة قناع لإختراق العالم. تصويرها لـ"مسرح الشمس" أشبه بمغامرة: شغف لا يختلف عن تصوير مواضيعها الأخرى. لم يكن من السهل أن تكون مصوِّرة في "ماغنوم" بعدما شاركت في تأسيس "فيفا" وبعد زواجها من هنري كارتييه- بريسون؛ لم تطلق على نفسها السيدة كارتييه- بريسون. لم يعرف الزوجان هنري وفرانك الغيرة أو المنافسة: لولا جهودها في رعاية أرشيفه لم ترَ مؤسسة "هنري كارتييه- بريسون" النور غداة رحيله.

عشقت فرانك الأسود والأبيض، بورتريهات الفنانين والكتّاب، مسرح أريان منوشكين، أطفال النيبال، الطبيعية الشتوية والضباب. أحبت الإنسان والفوتوغرافيا: "الفوتوغرافيا لحظة زمنية قصيرة لا يمكن تكرارها، تُظهر الأشياء أكثر مما تفسرها. ليست الصورة الفوتوغرافية خدعة بالضرورة، لكنها ليست أبداً الحقيقة. إنها إحساس متردد غير ثابت. ما يعجبني فيها هي تلك اللحظة التي نعجز عن إستباقها: يجب أن نكون دائمي الترصد لها، والإستعداد لتلقي المفاجئ".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024