الأفلمة اللبنانية القصيرة: مسعى مهموم بلا تكلف

روجيه عوطة

السبت 2020/10/10
ثمة أمر جذاب في الأفلام القصيرة، أو بالأحرى الجامعية، التي أتاح عرضها "مهرجان الأفلام اللبنانية في فرنسا" مساء الجمعة في باريس. أمر الأفلام هذا، وجذبه، هو أنها تنطوي جميعها على مسعى غير متكلف في صناعة السينما.

فعلياً، من الممكن الاستناد الى فيلم من تلك الأفلام بالانطلاق من كونه يمثل ذلك المسعى، ليس بمعنى أنه يجسده بطريقة إنتاجه فحسب، بل إنه يقدمه بقصته على وجه الدقة. هذا الفيلم هو Until the Rain Waines لماريان بومصلح، الذي يتحدث عن "آنابيلا" التي تذهب لملاقاة صديق لها. جو الفيلم مستقر على اكفهرار، مَشاهده متكررة، فتاة تجر عربة في طريق جبلي وعر، تتوقف قليلاً، قبل أن تواصل سيرها. يصح القول أن مخرجي الأفلام تلك هم آنابيلا، وهذا، من ناحية مسعاهم، أي سيرهم، وعلى نحوها، في طريق صعب، في أرض السينما الجرداء. لكنهم، مع هذا، يتمسكون بالذهاب، ومثلها أيضاً، الى ما يخفف من وحشتهم، الفزاعة في وضعها، وشرائطهم في وضعهم. بالطبع، لا داعي هنا لاستكمال مجرى فيلم بومصلح، لأنه، عندها، قد يبدو مسعى آنابيلا والمخرجين، كأنه هباء بهباء... لكنه، ليس كذلك

على أن انعدام تكلف هذا المسعى لا يتعلق بتمسك المخرجين بمضيّهم في أرض قاحلة فقط، إنما، وأيضاً، يرتبط بموضوعاتها، التي استوت، وعلى الغالب منها، قريبة من معاشهم، لا بل أنها ملاصقة له. فها هو رامي عيدموني، يتناول حكاية شابين وفتاة من أقربائه، كانوا قد ذهبوا، وخلال الحرب الأهلية، الى سهرة في قرية "شموت" (عنوان الفيلم). من دون أي كليشيه عن تلك الحرب، وبسرد يسير، استطاع عيدموني أن يقدم تلك الحكاية بلا أن تكون متوقعة، بحيث أنها، وفي بدئها، قد تبرز عن شاب منهم، لكنها سرعان ما تصل الى خاتمتها المفاجئة: أبطالها يموتون بسرعة. الأمر نفسه ينسحب على "وفي اليوم السادس" لليال راجحة، التي تستند الى حكاية حقيقية دارت في الجنوب اللبناني حول ابراهيم الشاب المنتمي إلى عائلة متمسكة بالعيش في بلدتها، وعنصر من "جيش لحد" كان صديق طفولته ويدعى الياس. في مطلعه، ينبئ هذا الفيلم بأنه "رسالة" ما، لكنه، يخيب أمل المتنبئ بذلك، بحيث لا ينجر الى أي وعظة، بل أنه، وفي اثر موت إبراهيم، يبين والدته على حزنها بما هو علامة مواجهتها الوحيدة.

هناك قضايا كبرى في هذه الأفلام، لا شك في ذلك، لكن منطلقها يبدو على الدوام، أنه من معاش مخرجيها، أما محطها، أي منتهاها، ففيها، تبتعد تلك القضايا عن كل خطباتها لتتوقف على تفصيل فيها. على أن هذه الأفلام قد لا ترتبط بهذه القضايا، إنما تكتفي بكونها توثيقاً لعلاقة اجتماعية ما، تماماً كما في فيلم "شو اسمك؟" لنور المجبّر. ففي فيلمه هذا، يتناول حكاية لوكاس الذي سجل قصة حياة والدته المصابة بالألزهايمر، وهو قد سجلها معها قبل أن تبدأ بالنسيان. يستقر الفيلم هذا على بساطة، وفي لحظة ما، يبدو أنه متعثر في سرده، لكنه، ومع ذلك، هو بمثابة تحية، وربما، تحية فقط.

بيد أن باميلا نصور، وفي "إلى حيث"، حاولت أن تؤفلم نصاً شعرياً، كتبه الشاعر اللبناني فوزي يمين، وأفلمتها هذه جاءت متلائمة مع النص نوعاً ما. نافل القول أن هذه الأفلمة ليست بالسهلة، لأنها تنطوي على إشكالية معلومة، أي الصلة بين المقروء من النص والمتفرج عليه من مشهدته. لكن ما يهم هنا أن "إلى حيث" يبين أن مسعى نصور وزملائها ليس من طرز واحد، على العكس، هو متوزع. ففي فيلمها، "زمن كورونا"، تتطرق فرح شعيا إلى الكورونا، الى حجره، في لبنان. وقد ارتكزت على المدونة الكوميدية في تناولها إياه. ومع أن الفيلم، وفي أوقات معينة، ينطوي على ضروب من المسرحة التهكمية المحلية، التي تتسم بالغلاظة، لكنه لم يفقد فكاهته، على العكس، بقي عليها.

لا يمكن بعد الاطلاع على هذه الأفلام القصيرة سوى الإشارة، ليس الى مسعى مخرجيها غير المتكلف فحسب، بل على كونه مسعىً مهموماً، أي يحمل هموم خاصة به. فحتى لو كان، وفي الكثير من الأحيان، موضوعاً لحكم أنه مسعى "خفيف"، فخفته هذه، وغير أنها من ركائز جذبه، بالفضل عن كونها، وفي الأساس، ليست نقيصة، لا تلغي كونه يصدر عن تلك الهموم، بل أنها من سمات طرحه لها. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024