وبخصوص كتاب "تحدي الآلهة" لبهجت النادي وعادل رفعت، تعود قصة حملهما لاسم مستعار مشترك، إلى مصادفة غريبة، بحسب ما ينقل الكاتب سمير غريب. فعندما ذهبا إلى الناشر الفرنسي، ماسبيرو العام 1969، لنشر كتابهما الأول "صراع الطبقات في مصر"(1945 - 1968)، رحَّب بنشره لكنه قال لهما إنه لا يمكنه نشر كتاب يحمل اسمين لمؤلفين غير معروفين لأنه لن يباع، وطلب منهما أن يختارا كتابة اسم أحدهما فقط على الغلاف. لم يستسيغا المقترح لأنه سينفي الآخر الذي لن يكتب اسمه. واقترحا أن يختارا اسماً مشتركاً لهما، واختارا محمود حسين الذي لم يكن يعني لهما شيئاً سوى أنه اسم شائع ووقعه مصري، أكثر مما أراداه اسماً علماً. نجح الكتاب الأول وبدأ اسم محمود حسين يشتهر، فواصلا الكتابة به... دفع "ثنائي محمود حسين"، ثمن انتمائهما السياسي، سنوات طويلة من الاعتقال قبل أن يختارا فرنسا واللغة الفرنسية ملاذاً. كتبا مطولاً في قضايا الصراع الطبقي والتحرر الوطني. أما "تحدي الآلهة" فهي روايتهما الأولى، وقد اختارا أن يرويا قصة طالب الطب الذي ألقي القبض عليه، مع آخرين، خلال جولة استبداد قررها الرئيس جمال عبد الناصر في العام 1959 ضد كل من يعارض سلطته الاستبدادية. فبعد تصفية جماعة الإخوان المسلمين جاء دور المعارضين اليساريين، وتشتبك في القصة حياة الطفولة والحب والسجن والأحلام وسط حياة متواضعة في مصر، ووسط نظام مستبد متشعب يحاول السطو على كل شيء...
هذا البطل، ساقه انتماؤه السياسي، وراء القضبان، فصيّر السجن خلوة تصفح خلالها طفولته وشغفه بالقراءة فالتحاقه بالتنظيم الماركسي وبالجامعة حيث اصطفته نادية، أجمل زميلاته وأشجعهن، حبيباً ورفيق درب. تنتظره نادية تسعة أشهر كان فيها معتقلاً. كانت تكتب له خلالها، كل يوم، رسالة طويلة تحكي له فيها عما تفعل، وما تفكر فيه. وهي لا تعرف ما إذا كانت رسائلها تصله. ويتحدث الراوي الشاب عن اكتشافه الكتب والكلاسيكيات، ومنها الإلياذة والأوديسة، وأهم ما استفاده منهما، خصوصاً قيم الحرية والعدالة، ومنها استمد عنوان روايته "تحدي الآلهة".
وعنوان الرواية مجرد استعارة، إذ أن التحدي الحقيقي ليس للآلهة، بل للناصرية والقائد الأوحد، الذي يربط مصير كل شيء بيده. والكتاب المكتوب بالفرنسية الآن، هو قصة حب عادية وعابرة، وتجربة سجن عادية وعابرة، فبدا السجن في الكتاب كأنه نزهة مقارنة بالسجون التي قرأنا عنها في الأدبيات السورية، سواء في تجربة ياسين الحاج صالح في كتابه "بالخلاص يا شباب، 16 عامًا في السجون السوريّة"، أو فرج برقدار في "خيانات اللغة والصمت"، أو علي أبو دهن في "عائد من جنهم"...
ومهما يكن، فالكتابة عن السجون العربية، تعري الاستبداد السياسي، سواء في أساليب إدارة الحكم وترويج "الوحدة العربية"، أو الهيمنة الناصرية، أو أساليب الاعتقال التعسفي أو المحاكمات الاعتباطية أو حتى طرق الإفراج. فصاحبا الكتاب اللذان تعارفا في منتصف الخمسينات، ضمن النشاط السياسي والنضال اليساري، التقيا مرة أخرى في أحد المعتقلات العام 1959، وتنقلا بين سجون ومعتقلات عديدة حتى العام 1964. توقف تعذيب المعتقلين بعدما مات أحد قادة اليسار من التعذيب. ثم أفرج عبدالناصر عنهم، ليس لقناعة براءتهم، فهم لم يحاكموا أبداً، لكن بسبب زيارة خروشوف، الشيوعي السوفياتي إلى مصر للمشاركة في الاحتفالات بتحويل مجرى نهر النيل لإنشاء السد العالي في منتصف أيار/مايو 1964.
(*) صدرت عن "دار الجديد" بترجمة عن الفرنسية لأحمد علي بدوي في 155 صفحة.