يا لور حبّك: متري المرّ واحتمالات الأغنية الجميلة

أسعد قطّان

الثلاثاء 2019/09/03
يكتب حليم الروميّ في مذكّراته عن متري المرّ: "هو أروع من لحّن الشعر الشعبيّ الفصيح في جيله، ومن بين أبرز ما لحّن في حياته أذكر أغنيتين، عمّتا لبنان والشرق العربيّ، وتردّدتا على كلّ شفة ولسان، يا لور حبّك وظبية الإنس إليّ".

الشائع أنّ "ظبية الأنس" هي من نظم المطران إبيفانيوس زائد. ولكنّ اللافت أنّها وردت في ديوانه، الذي وضعه أحد الأصدقاء في متناولي قبل فترة وجيزة، بكلمات تختلف في معظمها عن كلمات الأغنية كما تداولها الناس. كيف السبيل إلى حلّ هذا اللغز؟ هل وضع الزائد كلاماً صار قاعدةً للأغنية الملحّنة ثمّ أعاد نظم القصيدة من جديد قبل نشر ديوانه؟ هل حوّر التواتر الشفهيّ كلمات الأغنية كي تستسيغها الأذن الشعبيّة وتصبح أقرب منالاً؟ وما دور الملحّن متري المرّ في ذلك، والمعروف عنه أنّه عرّج أيضاً على النظم الشعريّ؟

لا تقلّ ظاهرة "يا لور حبّك" التباساً عن "ظبية الأنس". في أوساط "حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة" نشيد بعنوان "يا غيد يا فتيان" من نظم جرجي عطيّة ينشده بعضهم بالاستناد إلى لحن أغنية "يا لور حبّك". وتشير بعض كتب الأناشيد إلى أنّ الملحّن هو متري المرّ. هذا يعزّز صدقيّة ما يرويه حليم الروميّ في مذكّراته أنّ واضع هذه المقطوعة الجميلة هو متري المرّ. ولكن لماذا تناسى الذين استعادوا هذا اللحن بصيغ مختلفة هذه "الحقيقة" التاريخيّة واعتبروه مجرّد أغنية تنتمي إلى الموروث الشعبيّ؟ برنامج "كانت أيّام"، الذي أنتجه التلفزيون اللبنانيّ، رصد حلقةً لأغنية "يا لور حبّك" معتبراً إيّاها مجهولة الملحّن. كذلك فإنّ مسلسل "عشرة عبيد زغار" الذي أخرجه جان فيّاض وتولّى إعداده وقام بدور البطولة فيه كلّ من أنطوان ولطيفة ملتقى بنى أغنية الجينيريك الشهيرة على اللحن ذاته من دون الإشارة إلى الملحّن، حتّى إنّي تعرّفت ذات يوم إلى شابّ يتقن الترتيل البيزنطيّ، ولكنّه يعرف "عشرة عبيد زغار" ولا يعرف "يا لور حبّك".


تشكّل "يا لور حبّك" أيضاً مدماكاً مهمّاً في حبكة مسلسل "الأسيرة" الذي أخرجه أنطوان ريمي واضطلع ببطولته كلّ من هند أبي اللمع وإحسان صادق، ولكن هنا أيضاً لا إشارة إلى متري المرّ. ولعلّ هذا ينطبق كذلك على الأخوين رحباني اللذين استعادا الأغنية الشعبيّة الجميلة بصوت فيروز، ثمّ بصوت الجوق في مسرحيّة "ميس الريم"، فيما بقيت الإشارة إلى ملحّن الأغنية مسألةً هامشيّة كما لو أنّ اللحن مجرّد مشاع لا صاحب له.

هل إنّ متري المرّ هو بالفعل واضع لحن "يا لور حبّك"؟ هل هناك مثلاً أسطوانة حجرّية مسجّلة بصوته، أو بصوت سواه، تدعم هذه النسبة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، كيف جرى التعامل مع حقوق المؤلّف المعنويّة حين سجّلت فيروز هذه المقطوعة الجميلة بصوتها في أواسط الخمسينات وحين استعادها آخرون في ما بعد؟ ومن يضطلع اليوم بمسؤوليّة التدقيق في نسبة هذا اللحن وصولاً إلى تثمين مساهمة متري المرّ في الأغنية اللبنانيّة والعربيّة على وجه العموم؟

في الذكرى الخمسين لوفاة المبدع العظيم الموسيقار والملحّن البيزنطيّ متري أفندي المرّ (1880 - 1969)، أسئلة ربّما يكون بعضها مؤلم، ولكن لا بدّ من طرحها!!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024