جبل نفايات طرابلس صيفاً: انفجار أو انهيار أو حرائق

جنى الدهيبي

السبت 2021/05/01
فيما يغرق لبنان بأزماته الخانقة، يمكن القول إن السلطات تخطت مبدأ "الهروب إلى الأمام" حيال ملف النفايات، وأصبحت المخاطر البيئية التي تحيط باللبنانيين أمرًا واقعًا، يصعب علاجه، أو حتى الهروب منه.  

مخاطر داهمة 
في طرابلس، ورغم كل التحذيرات من خطر الطمر غير الصحي، والانبعاثات السامة من جبل النفايات القديم والمطمر الجديد المحاذي له، لم يُتخذ بعد أي إجراء جدي أو غير جدي، لتفادي احتمالات كارثية يتوقعها خبراء بيئيون: إما الانفجار، وإما حدوث انهيارات أو حرائق.  

وفي هذا الصدد تواصلت "المدن" مع فؤاد دهان - وهو مهندس بيئي من طرابلس يقيم بأميركا، وحائز على درجة الدكتوراه في مجاله، ويعمل هناك على تأهيل المطامر ووضع خطط لها، وقد سبق أن وضع خططاً لإنشاء 5 أبنية على مكبات صحية في أميركا.  

وينطلق دهان من مخاطر الطمر العشوائي في طرابلس. وهو ما يؤدي إلى تكدس المواد العضوية في مكبي طرابلس بشكل ضاغط، فتتآكل هذه المواد، وتبقى البكتيريا التي تنمو في النفايات من دون أوكسيجين.  

وتنتج هذه الباكتيريا غاز الميتان (Methane gas)، وهو نوع من الغازات السامة القابلة للاشتعال، وسريع التفلت، وترتفع انبعاثاته من تراكم المواد العضوية، كما يؤثر على الاحتباس الحراري. وهذا يتطلب وضع آبارٍ داخل المكب لسحب ذلك الغاز، بناءً على حجم المطمر وعمقه والمواد العضوية التي يحتويها، تفاديًا لتجمع الغاز في جيوب صغيرة داخل المكب، وفق دهان.  

مواد مسرطنة
ولأن كل هذه المتطلبات ومعايير معالجة المطامر غير مطبقة في مكبي طرابلس، فهما أمام احتمالات متعددة، وإن بنسب ضيئلة ومتفاوتة: الانفجار ووقوع انهيارات في جوانب مختلفة، أو حدوث حرائق.  

وأشار دهان إلى أن الأسباب التي تؤدي لانفجار المطمر ترتبط بمستوى ضغطه وتهوئته، لا سيما أن الميتان غاز خطير. أما المواد المسرطنة فتنجم عن الرمي العشوائي للنفايات العضوية من بلاستيك ومواد كيماوية وبقايا أطعمة.  

وإلى جانب عدم اتباع التقنيات العالمية والصحية  للتخلص من الغازات السامة، يشدد دهان على ضرورة التنبه لعدم معالجة العصارة (Leachate) التي تتسرب من المكبين إلى المياه الجوفية والبحر.  

ما الحل؟ 
يرى المهندس البيئي أن الحلّ يبدأ بوضع آبار كافية لسحب الغازات ومعالجة العصارة. والأهم عدم استعمال هذان المكبان، والتوقف عن رمي النفايات، وبناء مطمر بمعايير مختلفة في مكانٍ آخر، أو تحديث المطمر الجديد ومستوى قدرته الاستيعابية وإعادة تأهيله. وهذا يتطلب  تكاليف مالية كبيرة.   

أمّا في بلاد مثالية غير لبنان، فالحلول وفق دهان، تكون بالطروحات الإيجابية، كبناء مصانع على المطامر الصحية، أو استثمارها للطاقة الشمسية، مما يخفف بالتالي من وطأة تسرب الغازات.
لكن الأولوية برأيه، هي لتحديث القوانين البيئية لتبقى العبرة في  تطبيقها.

وللتذكير، فإن أزمة النفايات في مدن اتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضم طرابلس والميناء والبداوي والقلمون، برزت منذ سنوات، بعدما تجاوز جبل النفايات أضعاف حدوده الاستيعابية إلى جانب شبهات كانت تحوم على أداء معمل الفرز، الذي اغلق في أيلول 2020.

نفايات ومسلخ ومرفأ
ورغم كل الحملات الرافضة لإنشاء مطمر جديد قرب الجبل القديم القريب من المنطقة الاقتصادية والمرفأ ومسلخ اللحوم، قررت الحكومة بناء على اقتراح مجلس الإنماء والإعمار، إنشاء مطمر بحري سميَ "مطمراً صحياً" في شباط 2019، على أرضٍ مجاورة للجبل الحالي عبر ردم البحر، بكلفة ناهزت 33 مليون دولار أميركي، وجرى تلزيمه لشركة "باتكو" المسؤولة عن "كوراث" المطمر الأساسي.  

وهذا المكب الجديد، من المقرر استخدامه 3 سنوات فقط، أي حتى 2022، إلى حين وجود حل مستدام. وبالطبع لم يجر العمل بعد على أي خطة بديلة، بل تحول إلى مشروع جبل نفايات جديدة بدأت تظهر بوادره. وقد لُزم المكب لشركة "باتكو"، فيما تلزم عمليات الكنس والجمع "لافاجيت"، وهما شركتان يمتلكهما آل ازعور.  

وسبق أن رفعت بعض مجموعات من الناشطين دعاوى قضائية في طرابلس ضدد المتسببين بتلوث أجواء المدينة وتعريض أهلها للسموم جراء الانبعاثات من مكبي النفايات.  

وهنا، يؤكد يحي الحسن، الطبيب والمتخصص في علم الكيمياء - والذي كان محركاً أساسياً للدعاوى القضائية وفي متابعة ملف النفايات بطرابلس - أن الخطر الأكبر يكمن في استمرارية الطمر في مكب النفايات وفق الطريقة نفسها. وقال لـ "المدن" إن الدعاوى المرفوعة لدى المدعي العام البيئي والمالي والنائب العام التمييزي، على اتحاد بلديات الفيحاء، ومجلس الإنماء والإعمار والشركات المشغلة للمكب، لم تلقَ التجاوب القضائي المفترض، لملاحقة المتسببين بهذه الكارثة.  

كوستابرافا الثاني
ويرى الحسن أن ثمة مسؤولية مشتركة، تقع على السلطتين المحلية والمركزية، وأن ثمة تقاذفًا للمسؤوليات للهروب من تحملها. وقال: "مجرد خطر 1 في المئة ينجم عن انفجار المكب القديم، لا بد من أخذه على محمل الجد، واتخاذ التدابير العاجلة تفاديًا للكارثة، وهناك مئات والدراسات والتجارب التي يمكن الاقتداء بها".  

ويتوقع الحسن أن يصبح المكب الجديد الذي لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 14 مترًا، مطمر كوستابرافا 2، عبر ردم البحر وتكديس النفايات فيه من دون معالجة. 
ويحذر الحسن من تراكم المخاطر في جبل النفايات القديم بعد إغلاقه، وخصوصا بعد انتهاء فصل الصيف وهطول الأمطار الذي يؤدي إلى تسبيخ النفايات. وبالتالي "قد تشهد طرابلس وضواحيها في فصل الصيف، انبعاثات الروائح الكريهة مجددا، مع ارتفاع احتمالات حدوث حرائق وانهيارات في الجوانب غير المدعمة. 

فساد بالنفايات
وفي السياق، تشير معلومات خاصة بـ "المدن" أن المكب الجديد الذي جرى تقسيمه إلى 3 خلايا على مساحة 60 ألف متراً مربعاً (أي كل خلية بمساحة 20 ألف متراً)، امتلأت خليته الأولى ووصل ارتفاعها إلى نحو 8 أمتار. وبدأ رمي النفايات منذ أشهر في الخلية الثانية، وقريبا سيبدأ رمي النفايات في الخلية الأخيرة التي تقع قبالة البحر مباشرة. وثمة عقبات بآلية تجهيزها وتدعيمها، بسبب أزمة كلفتها في ظل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار.

وحتى مجلس الإنماء والإعمار، لم تتقدم إليه بعد أي شركة في عروض المناقصات لمعالجة جبل النفايات القديمة، بسبب أزمة الدولار أيضا.
وتشير المعلومات إلى أن الجبل القديم هبط ارتفاعه من 49 حتى 42 متراً، نتيجة تحلل المواد العضوية وتحولها إلى عصارة تتسرب إلى البحر. وهناك عدد قليل من الآبار لتنفيس غاز الميتان منه، الذي ينبعث عاليا في الهواء.
وحسب مصادر من اتحاد بلديات الفيحاء، انخفض معدل طرابلس اليومي من النفايات من نحو 460 طناً إلى نحو 340 طناً، أي بنسبة 20 في المئة، بعد الأزمة الاقتصادية وكورونا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024