أوتوستراد الموت صيدا-النبطية المظلم كلياً باستثناء مصيلح!

زينب كنعان

الثلاثاء 2019/04/09
منذ أيام، وتحديدًا على أوتوستراد حبّوش - النبطيّة، وقع حادث سير أدّى إلى مقتل المواطن علي أحمد جابر وجرح أربعة مواطنين. وبعدها بيومين أيضًا وقع حادث آخر على الأوتوستراد نفسه، ثم حادث آخر في منطقة مصيلح.. وكل يوم تقع مثل هذه الحوادث المؤسفة. وهي ليست الأولى من نوعها، ما أكسب هذا الأوتوستراد لقب "أوتوستراد الموت" بجدارة. الضحايا كثر، وكذلك الأسباب. والمعنيّون في سبات. وبعيداً من صعوبة الحصول على إحصائيّات متعلّقة بنسب الحوادث وعدد الضحايا، التي تكاد توازي صعوبة ومشقّة سلوك هذا الأوتوستراد المظلم بشكل دائم ليلاً، فقد تواصلت "المدن" مع أكثر من جمعية معنية وإدارة رسمية من دون الحصول على أي جواب. لكن، لا يحتاج أهالي المنطقة لمثل تلك الإحصائيات، لمعرفة عدد قتلاهم. فهم يعيشون معاناة الموت بالحوادث أسبوعياً تقريباً.

عيوب هندسية ولا إنارة
لا يكاد يمّر يوم لا أجتاز فيه أوتوستراد الزهراني. مشاهد السيّارات المحترقة والمحطّمة، وسيّارات الصليب الأحمر جزء من هويّة هذا الأوتوستراد. صباحًا يسمح لي ضوء النهار بتعداد الأعمدة الكهربائيّة الملتوية، ومعاينة الفواصل الحجريّة على طرفيه المتكسّرة والمتهاوية من فرط الترميم وكثرة اصطدام السيارات بها. أنكمش في مقعدي كلّما اقترب الفان من منعطف مصيلح. هذا المنعطف الذي يجّر السيّارات إلى الانحراف نحو الموت، بسبب الزيوت المتسربّة من الشاحنات الكبيرة، ناهيك عن حدّة المنعطف الذي يباغت معظم السائقين.

لكن مشكلة هذا الأوتوستراد لا تقتصر على العيوب الهندسية، بل عدم وجود إنارة بشكل دائم. أتقصّد اجتيازه ليلاً. ترافقني العتمة من بدايته في صيدا. شبح أسود يحتضنني، شبح الفساد الذي غرّر بنا نحن المواطنين منذ عقود طويلة ولا يزال. أضواء المحلّات التجاريّة تكسر حدّة الرعب أحيانًا، وتزيد من الخوف الغافي في صدري. سائق الفان هذا أعرف قيادته، نهارًا لا يبالي كثيرًا بقواعد السلامة العامّة بسرعته الجنونية، لكنّه يسير الآن ببطء حذر. نجتاز الزهراني فيتأفّف السائق ويشتم الدولة. أسأله: هل قدمتم أي عريضة تحتج على واقع الأوتوستراد؟ يضحك ويجيبني "نحن معشر السائقين من سيستمع لنا؟"

منزل الرئيس
أعمدة الإنارة على طول الأوتوستراد بعضها انحنى بفعل ارتطام السيارات بها، أو ربّما من فرط انتظار الصيانة ومجيء الكهرباء. نغرق في العتمة حتى مدخل مصيلح، هناك بالقرب من منزل رئيس مجلس النوّاب نبيه بري تسطع الأضواء فجأة. تتراقص. فأشعر أنّي في باريس النبطيّة. يعلّق الراكب المجاور للسائق بأنّ هنا لا انقطاع للكهرباء "منورة عطول". يقاطعه السائق " هنا منزل الرئيس.. ليس منزلي ولا منزلك". نبتعد قليلاً عن مصيلح، فيعود مشوار الظلام الحالك، ويبتعد الحلم بوطن الكهرباء فيه دائمة ومستدامة.

كثرة حوادث السير على هذا الطريق لا تقتصر على عدم وجود الإنارة، التي لا نعلم متى ستأتي، إذ يؤكّد مدير عام الطرق والمباني في وزارة الأشغال، طانيوس بولس، في حديث إلى "المدن"، أن كل ما يتعلّق بأوتوستراد الزهراني-النبطيّة من إنارة وصيانة، ما زال في انتظار موافقة مجلس الوزراء لتلزيمه، مع الأوتوستراد الدولي صيدا- صور، بيروت- الشمال. بل أن تصميمه الهندسي وتعرجاته ومفارقه وتقاطعاته الخطيرة، من دون وجود إشارة سير واحدة، تعتبر من المسببات الأساسية لتلك الحوادث. فوفق خبير الطرقات والنقل وعضو مجلس نقابة المهندسين، فراس أبو دياب، قائمة المشاكل ومسببّات الحوادث على هذا الأوتوستراد تكمن في كثرة التقاطعات والمفترقات عليه، خصوصًا أنّه في أماكن ونقاط عدّة، تأخذ السيّارة مسلكاً آخر، وتلتّف، ما يتطلّب من السائق خفض السرعة من عالية جداً إلى متدنيّة، وبشكل فجائي.

غياب الإشارات
كما أن مشكلته الأساسيّة أنّه يقسم بلدة دير الزهراني إلى قسمين، وبالتالي تتوزّع الأحياء التابعة لها على جانبي الأوتوستراد، ومعظم السكّان يتنّقلون سيرًا على الأقدام بين جانبي الأوتوستراد ولا يوجد إلا جسر مشاة واحد قديم، علمًا أنّ طول الأوتوستراد يسمح ويتطلّب وجود عدّة جسور للمشاة. وهناك تراجعات كثيرة غير قانونيّة وغير كافية على جانبي الأوتوستراد، وهذا يعود للمؤسسّات التجاريّة الموزّعة على جانبيه، والتي تنتهك حرمة الطريق. زد على ذلك، السرعة الجنونيّة، وغياب إشارات السير عن الأوتوستراد، من إشارات تنبيهيّة أو تحذيريّة. بالمجمل شروط السلامة العامة غائبة عن هذا الأوتوستراد، كما يؤكد أبو دياب.

إلى حد الساعة، لا أحد يعلم متى الفرج، وكم هو عدد الضحايا الذي يستوجب من الإدارات التحرّك لإنارته ومعالجة مشكلاته الهندسية الأساسية، فنحن في وطن أرواح مواطنيه بقيمة ملّفات منسية في أدراج المسؤولين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024