طرابلس "تتمرد" على التعبئة العامة.. وترميم البلدية يتأخّر

جنى الدهيبي

الإثنين 2021/02/22
تغيب عن الأحياء الشعبية في عاصمة الشمال وعن أسواقها، إجراءات التعبئة العامة والإقفال الشامل، التي كُسرت مقرراتها قبل الانتقال إلى مرحلة تخفيفها تدريجيًا.  

تمرد معيشي
يُختصر الإقفال في طرابلس بإغلاق بعض محال الألبسة في شارع عزمي ومحيطه، والمقاهي في منطقة الضم والفرز، فيما يعمل معظمها سرًّا خلف الأبواب المغلقة. أمّا أسواق الخضر واللحوم ومتاجر المواد الغذائية، فتشهد اكتظاظًا كبيرًا. وهذا يظهر جليًا في ازدحام السيارات على الأوتسترادات، نهارًا وليلًا وفي أوقات الذروة.  

وفيما يغيب عن المشهد الحضور الأمني وشرطة البلدية، يبدو "التمرد" الذي يمارسه أبناء طرابلس، ردّاً طبيعياً على ما عاشته المدينة من مواجهات عنيفة، انتهت بإحراق مبنى البلدية، متزامناً مع انهيار اقتصادي وضغط معيشي تجاوزا قدرة آلاف المياومين في الشمال على تحمله.  

ويقول لـ"المدن" أحد أصحاب المحلات التي تعمل سرًا: "لم نعد قادرين على الانتظار. فنحن ندفع ثمنًا غاليًا مقابل بقائنا في منازلنا بلا عمل. الديون تراكمت علينا. ونحن لسنا أصحاب مدخرات وثروات، بل نركض يوميًا لسد أبسط حاجاتنا". ثم يتساءل مستنكرًا: "قبل أن يلاحقونا على لقمة عيشنا بحجة كورونا، من يحاسب السلطة بعد أن اقترب الدولار من 10 آلاف ليرة؟ من يعوّض خسائرنا وقهرنا؟".  

وعلى مشارف سوق العطارين، كانت أم محمد (50 عامًا) تستعد للدخول بين الجموع لشراء حاجاتها، فقالت: "كلما شددوا الإجراءات بسبب كورونا، نخاف أكثر من جشع التجار الذين لا يرحمونا. فننزل إلى الشارع لشراء ما استطعنا من طعام وأدوية، قبل أن تحلق الأسعار بين ساعة وأخرى، أو تُفقد من الأسواق". تعبّر هذه السيدة عن خوف الناس من الفقر والذل وانعدام الأمان، الذي تجاوز بأشواط خوفهم من كورونا.  

تداعيات التسيّب والحريق
لكن هناك شريحة واسعة من أبناء طرابلس تخشى أن تستمر حال التسيّب في الشارع. فالمدينة تسجل يوميًا مئات الإصابات بكورونا، نتيجة التخالط وعدم التقيد بالإجراءات الوقائية. وقد قارب عدد الإصابات التراكمي في طرابلس وحدها نحو 13 ألف إصابة، إلى جانب نحو 262 وفاة، حسب رئيس مجلس إدارة مستشفى طرابلس الحكومي، ناصر عدرة. وقال عدرة لـ"المدن" إن المستشفى الحكومي في الأسبوعين الأخيرين، شهد إقبالاً كبيرٍ من المصابين، لافتًا أن المستشفى فتحت قسمًا جديدًا في باحتها يتألف من 41 سريرًا لمرضى كورونا، وباشر عملية التطعيم حسب توصيات وزارة الصحة.  

على مستوى آخر، لم يُسجّل أي جديد حول التحقيقات المتعلقة بحرق مبنى بلدية طرابلس. أما التوقيفات في المحكمة العسكرية فما زالت مقتصرة على شبان لا يتجاوز أكبرهم 21 عامًا: "لا يبدو أن ثمة بوادر لكشف هوية المحرضين الفعليين"، قال لـ"المدن" رئيس المجلس البلدي رياض يمق.  

وحتى الآن ما زالت الخلافات محتدمة بين يمق ومجموعة من أعضاء المجلس تطالب باستقالته، وكذلك بين الأعضاء أنفسهم، حسب معلومات "المدن". وقد ألغيت في الأيام السابقة جلسة كان مقرراً أن يعقدها الأعضاء، تفاديًا للمواجهات الكلامية المباشرة.  

ويرى كثيرون في طرابلس أن المجلس البلدي لم يتوقف منذ انتخابه عن اللهو بالخلافات الشخصية، والتي تتقدّم كل مرّة على حساب المدينة ومصلحة أهلها العامة.  

وعلى مستوى التحقيقات المتعلقة بحرق مبنى البلدية، يرفض يمق الكشف عن مجرياتها، لافتًا أنه لم يتدخل فيها منذ سلمت محامية البلدية رلى نجا الملف لوزارة الداخلية. إلى جانب رفع دعوى باسم البلدية ضدّ كل من يثبت تورطه بحرقها من مرتكبين ومحرضين.  

وفيما يتهم بعض الأعضاء يمق بالتلكؤ والمماطلة، يعترف هو بتأخر البلدية عن إنجاز مسحها الكامل، ولم يجرِ الإعلان بعد عن القيمة المادية للأضرار. وهذا ما منع تسلم المجلس البلدي أي دعم مالي حتى الآن. فهناك جهات عرضت المساعدة، وفي طليعتهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والرئيس السابق نجيب ميقاتي والسفارة التركية. ويعيد يمق الأمر إلى صعوبة رصد قيمة الأضرار الداخلية والخارجية للمبنى.  

إعادة الترميم
وفي هذا الوقت تتابع بلدية طرابلس مشروع إعداد الدراسة الهندسية لإعادة إعمار القصر البلدي وتأهيله وترميمه. وذلك مع فريق أساتذة من كلية الفنون الجميلة والعمارة، الفرع الثالث في الجامعة اللبنانية، ومن مديرية الآثار في وزارة الثقافة. لكن يمق يلفت أن الدراسة تحتاج لتعمّق، "لأن إعادة البناء يجب أن تراعي الطراز العثماني الجديد".  

وقد أطلع فريق من الجامعة اللبنانية على الأضرار التي لحقت مبنى البلدية. وضم الوفد المهندسة رندا قاوقجي من مديرية الآثار في وزارة الثقافة، كما ضم من كلية الفنون والعمارة مدير الكلية حسان الصمد، وكل من المهندستين، الدكتورة رنا بركة والدكتورة رندا حلاق.  

وبعد الجولة والاجتماع مع ممثلي البلدية، استعرضت الخرائط الهندسية، وأصدر المجتمعون بيانًا تناولوا فيه "تحديد الرؤية لدور القصر البلدي التاريخي بطوابقه الثلاثة، تمهيدًا لوضع التصاميم الجديدة، بناء على المعطيات واستكمال التنسيق بين الجامعة اللبنانية والمجلس البلدي ومصلحة الهندسة في البلدية، لتحديد الخطوط الأساسية وشروط إعادة إعمار المبنى وتأهيله وترميمه".  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024