البيت الغريب في جبشيت: ماذا فيه؟

صفاء عيّاد

الإثنين 2018/06/11

في ساحة بلدة جبشيت، في قضاء النبطية، تلتفت أنظار المارة إلى منزل غريب. يجمع بين الحداثة بتصميمه الهندسي ولونه الأبيض، وتراث لبنان القديم، الذي اعتدنا رؤيته في الأفلام القديمة أو في الأشياء التراثية التي نتوارثها عن أجدادنا. صاحب المنزل رائد فحص (40 عاماً)، نفذ منزل أحلامه. باختصار هو منزل تاريخي يجمع الحضارات كلها. من يجول في داخله ومحيطه ويستمع إلى شرح صاحبه، يُخيل إليه أنه يتصفح كتاباً تاريخياً. وقد تصيبه "الدوخة"، من كثرة التمعن بما هو معروض.

شغف فحص الطفولي بتجميع النحاسيات وسرقة أغراض جدته القديمة وعدة الخياطة، كبُر معه حتى تحول إلى أسلوب حياة خاص. فعلى مدى أكثر من 20 عاماً، جَمَع فحص نحو 7 آلاف قطعة نحاسية و"أنتيكيا"، بالإضافة إلى الآلات الزراعية اللبنانية البدائية، خوابي الزيت وأجران الكبة. ناهيك عن الأسلحة الحربية وبنادق الصيد والسيوف والخناجر القديمة، وبعضها من الحرب العالمية الأولى والبعض الآخر أسلحة عربية قديمة.


"كل شي قديم له قمية كبيرة موجود في بيتي". فقد يستغرب من يجول في منزل فحص تحويل مفاتيح البيوت القديمة وأقفالها إلى لوحات معروضة في منزله. إضافة إلى أقدم التلفزيونات والمسجلات والعدة القديمة للحلاق الرجالي.

في العام 2004، بنى فحص منزله ونفذ غرفة صخرية داخله ليجمع الآثار القديمة فيها. لكن مع مرور السنوات لم تعد الغرفة تكفي. فحول المنزل إلى متحف صغير يضم أغراضاً أثرية فرنسية وإيطالية وإنكليزية. فحتى اليوم، زار فحص نحو 20 دولة في العالم، يأتي منها مُحملاً بالأغراض التراثية والتحف التي اشتهرت بها، فلا يترك مزاداً محلياً أو عالمياً إلا ويشارك فيه.

لكل غرض في منزل فحص حكاية، تحفظه ذاكرته من دون الرجوع إلى دفتر تدوين أو أي كتابة موضوعة تحته. بالأرقام يحفظ عدد أواني النحاس، المكاوي القديمة، الغليون، الذي يملك منه جميع أشكاله منذ اختراعه وصولاً إلى عصرنا هذا. "أعيش من أجل هذا الشغف. فلا يمكنني أن أنسى كيف حصلت على هذه الأغراض وكيف حاربت ودفعت الأموال لأحصل عليها".

ويروي فحص لـ"المدن" أن مزادات التحف الأثرية والنحاسيات حفظته في لبنان، حتى بات من يريد التخلص من أغراض قديمة أو لا يستطيع حفظها يرسلها إليه للمحافظة عليها. القطعة الأثرية الأغلى على قلبه هي تيليسكوب قديم العهد لا يزال يعمل حتى اليوم، إضافة إلى بعض السجاد المصنوع يدوياً.


يُطلق أهالي جبشيت على البيت تسمية "البيت الغريب أو النحاسي". ومع ارتدائه حلة رمضان بأكثر من 107 فوانيس لُقب بـ"بيت الفوانيس". ففحص بدأ منذ بداية العام 2018 بتنفيذ الديكور الخارجي للمنزل، وقرر بمساعدة صديقه أن يكون التصميم جذاباً للمارة، وقد امتلأت جدرانه بطريقة محترفة بالدراجات الهوائية والألعاب القديمة، مع الأواني النحاسية والمعدات الزراعية. فعمل فحص في تنسيق الحدائق وزراعة الشتول جعله يستعين بالرفوف الملونة بالأحمر والأخضر والأزرق والأصفر، ليصبح المنزل مواكباً "الصرعة نوعاً ما. لكن جوهره الأنتيك والنحاس".

الخطوة المقبلة بعد الانتهاء من التصميم الخارجي، هي البدء بعملية أرشفة المقتنيات، من أجل البدء بتنفيذ حلمه المستقبلي، بإنشاء متحف لأغراضه في بلدته جبشيت، ليكون مقصداً للسياح والمغرمين أمثاله بالتراث. ويؤكد فحص أنه سيكون مجانياً للزوار، من أجل ترسيخ الذاكرة التاريخية في أذهان الأجيال المقبلة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024