مأزق التعليم الهجين بين خسارتين..سنة دراسية أو حياة الأحباء

وليد حسين

السبت 2020/09/19
بدأت المدارس تعد تصوراتها لبدء العام الدراسي المقرر في نهاية الشهر الحالي. وإذا كانت المدارس الرسمية ستعتمد التعليم عن بعد بنسبة لا تتجاوز العشرين في المئة، بسبب النقص في التجهيزات وفي إعداد الكادر التعليمي، وعدم توفر أجهزة إلكترونية للطلاب، حصلت وزارة التربية على وعود بتأمينها من جهات مانحة، فإن مدارس خاصة كثيرة باشرت الدروس، منذ نحو أسبوع عن بعد. ومن لم تستأنف التعليم بعد، بدأت بوضع برامجها وتصوراتها عن كيفية التعامل مع العام الدراسي "الكوروني". 

عام مثقل بالأسئلة
العام الدراسي سيكون هجيناً، أي يسود فيه الدمج بين نظام الحضور ونظام التعلم عن بعد. وبدأ الأهل برفع الصوت، معترضين على الحضور وعلى التعليم عن بعد أيضاً، خصوصاً لطلاب المراحل الابتدائية وصفوف الروضات. 

وتواصلت "المدن" مع أهالي طلاب في مدارس الحكمة والجمهور والقلبين الأقدسين والليسيه الفرنسية الكبرى وأمجاد والكرمل، وغيرها من المدارس. وتبين أننا مقبلون على عام دراسي صعب ومثقل بأسئلة الأهل التي لا تنتهي: كيف لطفل أن يتعلم عن بعد، فيما نعاني عادة مع أولادنا في التعليم النظامي الحضوري؟ ومن سيمكث مع أولادنا في البيت خلال الحصص؟ وهل نترك وظائفنا؟ وفي حال تركنا وظائفنا للبقاء مع الأطفال، من أين نحصل على أقساط المدارس؟ وهل نرسل أولادنا إلى المدارس في ظل ارتفاع عدد الإصابات بكورونا وتعريض أولادنا ومحيطنا لمخاطر؟ تختلف الهواجس لكن الجميع يعاني. 

خيارات صعبة
مدرسة الليسيه الكبرى بدأت بتنظيم الدروس عن بعد لصفوف الحضانات، في انتظار الانتهاء من إعادة إصلاح الأضرار التي خلفها الانفجار. أطفال الحضانات، بدأوا منذ أسبوع، في انتظار بدء التعليم الحضوري، الذي قد يكون في نهاية شهر تشرين الأول كما أكد سامر، وهو والد أحد الطلاب. ويقول: "من حسن حظ طفلي أن والدته تعمل حالياً عن بعد بسبب تضرر مكتب المنظمة التي تعمل فيها، جراء انفجار مرفأ بيروت. ولا نعلم ماذا كنا سنفعل، ولا نعلم ماذا سنفعل لاحقاً بعدما تعود زوجتي إلى العمل، خصوصاً أن دوام المدرسة سيكون لغاية الساعة 12 ونصف". ويضيف أن "من ليس لديه أحد يهتم بأطفاله في غياب الأهل، ربما عليهم دفن أنفسهم أحياء. فهل نتوقف عن العمل للبقاء مع طفلنا؟!"، يسأل مستغرباً ومحتجاً.

تقليص الدوام
مدرسة أمجاد وضعت برنامجاً يراعي بدء العام الدراسي في نهاية الشهر، وتدريجياً. فقد قررت وزارة التربية تقليص المناهج وتقسيم الطلاب إلى نصفين، يوم حضوري ويوم عن بعد. علما أن أهالي الطلاب في أمجاد لديهم الخيار في تعليم أولادهم فقط عن بعد، وقد اختار ثلاثين بالمئة من الأهالي التعليم عن بعد حصراً، لتفادي الإصابة بكورونا، كما أكدت إحدى المعلمات. وشرحت أن الدوام من الساعة السابعة صباحاً ولغاية الساعة 12 ونصف، مثلما ستفعل باقي المدارس.
ذلك أنه سيتم تقليص مدة الحصص وستكون فرصة الطلاب في الصفوف وقصيرة كي يتناولوا وجبة الطعام فحسب. وخلال تعليم الطلاب في الصفوف سيتم تسجيل الحصة وتنظيم الدروس وإرسالها إلى الذين يداومون من البيت خلال المداورة في الحضور. وستنقل الحصص مباشرة إلي الطلاب الذين قرروا التعليم عن بعد حصرياً.

مشكلة الروضات
لكن المشكلة التي ستواجهها المدارس مع أطفال صفوف الروضات كبيرة. فطلاب الصفوف الابتدائية تقرر أن تكون مدمجة، أي جزء حضوري وجزء عن بعد، مثل باقي الطلاب. أما أطفال الروضات، فبعض المدارس ستحضرهم خمسة أيام، وبعضها أربعة فقط. وستحافظ المدارس على مبدأ التباعد وتقسيمهم الأطفال إلى مجموعات، وستقلص الدوام لغاية الساعة 12 ونصف. لكن كل البرامج والخطط التي تضعها المدارس قابلة للتغير وفق المتغيرات التي ستطرأ.

المناهج الفرنسية
إلى المشاكل التي سيعاني منها الأهل في المدارس التي تعتمد المناهج اللبنانية، تماشياً مع إجراءات كورونا، هناك المدارس التي تعتمد المناهج الفرنسية مثل الليسيه والكرمل، التي بدأت بتنظيم الدروس عن بعد، منذ حوالى الأسبوع. لكن فرنسا لم تقلص المناهج الفرنسية. وهذا سيشكل ضغطاً أكبر على الطلاب والأساتذة في لبنان. 

الخوف من النظام الهجين
مدارس القلبين الأقدسين والحكمة تعد تصوراتها لبدء العام الدراسي. الأهل تبلغوا بالنظام الهجين ويتخوفون من نوعية التعليم واستيعاب التلامذة بعد تجربة العام الفائت. وهنا تقول أسمى التي ليدها طفل في صف الروضة: "السنة الفائتة كان التعليم عن بعد في الحكمة للأطفال بعد الساعة الرابعة، كي يتماشى مع حضور الأهل في المنزل. لكنها كانت سنة استثنائية. وعدا عن مشكلة انشغال الأهل في وظائفهم، وتقسيم وقتهم بين العمل والبيت، يتخوفون من النظام المدمج، المقبلون إليه.

حيرة الأهل
مدارس الجمهور بدأت التعليم عن بعد منذ أسبوع، ولست ساعات في اليوم. ويشكوا بعض الأهالي، الذين أكدوا أن المدرسة تنظم حتى حصص التعليم الديني والموسيقى أونلين. وتقول رانيا، إحدى السيدات، التي لديها أربعة أولاد في المدرسة: "التعليم الحضوري خطر والتعليم عن بعد سيء ويؤدي إلى عدم توازن الأهل والطلاب. فكل ولد من أولادي سيكون معرضاً لنحو 250 شخص في اليوم، ما يعني أن بيتي سيكون معرضاً لألف شخص. هذه حال معظم اللبنانيين في مواجهة كورونا، الذين يفضلون إبقاء أولادهم في البيت. بينما في حال ذهبنا إلى خيار التعليم عن بعد سنكون عرضة لعدم استيعاب الأولاد. إضافة إلى وجود أساتذة كبار في السن لم يتأقلموا على نظام التعليم عن بعد. والسلسلة لا تنتهي مع انقطاع الكهرباء وضعف الانترنت، كما تقول رانيا.

حيرة رانيا معبرة. فهي من ناحية تفضل التعليم الحضوري لأنها موظفة، ومن ناحية ثانية تخاف على أحبائها في حال أصيب أحد أولادها ونقل العدوى إليهم. وتقول: "لا حل لدينا، نحن في مأزق كبير. أو ربما علينا الاختيار بين الحياة والتعليم. نستطيع خسارة أولادنا سنة دراسية، لكن لا نستطيع خسارة حياة أحبائنا. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024