خطّة البستاني للمياه: وماذا عن الرشاوى الانتخابية برخص الآبار؟

وليد حسين

الأربعاء 2019/05/29
"هذا ملفّ عصيّ على الحل ولا أحد من المسؤولين يريد الغوص فيه، كونه يدخل في صلب الانتخابات والرشاوى الانتخابية". بهذه العبارة حاول أحد الموظّفين في وزارة الطاقة والمياه تهدئة خاطري، بينما كنت أهمّ بالخروج من الوزارة، بعد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الوزيرة ندى البستاني، للإعلان عن تحديث الخطة الوطنية للمياه، ومعالجة الصرف الصحي، يوم الثلاثاء 28 أيار. فبعد طرحي أسئلة عدّة على الوزيرة، لمعرفة الإجراءات المتّخذة، أو تلك التي ستتّخذ في ملف الآبار الارتوازيّة، بادر هذا الموظّف، الذي ربما لم تقنعه إجابات البستاني، إلى التلفّظ بتلك الجملة التي تعبّر عن واقع حال ادعاءات المسؤولين في معالجة الفساد والهدر.

معالجة التعديات
تعتزم بستاني تحديث الاستراتيجية الوطنية لقطاعَي المياه والصرف الصحي في وزارة الطاقة والمياه، وتعاونت مع خمس شركات استشاريّة لبنانيّة، لإتمام الخطّة الوطنيّة بغية تحقيق هذا الهدف بفترة قصيرة. ولكون أي نقاش حول تحميل النازحين السوريين مسؤولية الضغط على شبكة المياه، وشبكات الصرف الصحي، لن يُفضي إلى نتيجة، خصوصاً أنّ الجميع يتجاهل حقيقة أنّ الصرف الصحي الذي يصبّ في الأنهر والوديان والبحر، عمره من عمر لبنان، كان الأفضل حصر النقاش مع الوزيرة بستاني في ملف الآبار، كون الخطة الوطنية المحدّثة تشمله، والتي تعتزم الوزيرة إطلاقها في غضون ستة أشهر.

فموضوع الآبار يدخل ضمن التعدّي على الأملاك العامة والمياه الجوفية، بمعزل عما ينتج عنه من تصحّر وجفاف للينابيع، والوزيرة تريد تطبيق الخطة الوطنية، وتحسين الجباية، ونوعية الشبكة، وتأمين وصول مياه نظيفة لجميع المواطنين بواسطة تنفيذ مشاريع سيعلن عنها لاحقاً. هذا فضلاً عن إنشاء محطات تكرير للصرف الصحي، ومعالجة المياه المبتذلة، وبالتالي وقف التلوّث الحاصل بحق البيئة والمياه الجوفية، إضافة إلى وقف التعدّيات على شبكات المياه التي بدأت منذ فترة، وستستكمل وصولاً إلى تسوية أوضاع جميع المخالفين.

لكن في ملف الآبار الذي يصل عددها إلى نحو مئة ألف بئر، غير مرخّصة من قبل وزارة الطاقة، فليس لدى الوزيرة إجابة مقنعة، سوى أنّ الوزارة "عازمة على حل هذا الملف". وإذ نسأل الوزيرة بأنه عوضاً عن فرض رسم على النرجيلة لتسديد العجز، لماذا لا يتمّ إحصاء الآبار على مستوى البلديات، لإلزام أصحابها بالاستحصال على الرخص بشكل قانوني وبتركيب عدّادات مياه؟ تكرّر الوزيرة إنها قامت بواجبها وأرسلت إلى وزارة الداخلية طلباً لتزويدها بالأذونات، التي كانت تمنح لأصحاب الآبار للسماح لهم في الحفر، وما زالت تنتظر الرد. علماً أنّ مصادر الداخلية قالت لـ"المدن" في وقت سابق بأنّ لا أذونات صادرة عنها، ولا علم لها بهذه الأذونات.

تعويل على "الداخلية"
في الوقت الذي تبحث فيه الدولة عن مصادر لتمويل الخزينة، كان لزاماً تذكير الوزيرة بأنّ تسوية أوضاع نحو ثلاثة آلاف بئر، مرخّصة بشكل قانوني من وزارة الطاقة، التي صدرت تعاميم فيها لأصحابها للاستحصال على رخص استثمار وتركيب عدّادات للمياه، غير كافٍ. فجميع الآبار التي يقدّر عددها بنحو مئة ألف بئر، حُفرت بطرق غير قانونية، عبر أذونات خاصة، غالباً لقاء رشاوى مالية أو انتخابية لبعض المتنفّذين في المناطق. ولكونها أذونات غير قانونيّة، لا يوجد إحصاءات رسمية لهذه الآبار. لكن البستاني تعوّل على التعاون الإيجابي مع وزارة الداخلية للطلب من البلديات إحصاء الآبار في نطاقها الجغرافي، ليُصار لاحقاً إلى تسوية أوضاعها، إسوة بالتعدي على شبكات المياه.

فهل تنجح البستاني في إقفال هذا الملف الذي قد يدرّ أكثر من مئتي وخمسين مليون دولار للخزينة سنوياً، أم يبقى "عزمها" على تنفيذ الخطة الوطنية للمياه كلاماً إعلامياً شبيهاً بكلام من سبقها في وزارة الطاقة في تأمين الكهرباء 24/24 ساعة؟ ما علينا إلّا الانتظار. على أنّ تعويل الوزيرة يبدو خارج السياق الطبيعي لمسار الأمور في لبنان، خصوصاً أنّ ملف رخص الآبار، يشبه ملف جميع الأذونات الاستثنائية التي تمنحها جميع القوى السياسية لـ"زبائنها" في المواسم الانتخابية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024