أخصائي بجامعة تولين الأميركية لـ"المدن"..تأثير كورونا ولقاحه بمرضى السرطان

وليد حسين

السبت 2021/01/23
مع بدء العد العكسي لوصول لقاح "فايزر" إلى لبنان، والحديث عن أولوية تلقيح المسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، تُثار أسئلة كثيرة منها: هل يُنصح باللقاح لمرضى السرطان؟ وهل على المرضى الذين يخضعون أو خضعوا لعلاجات من السرطان أخذ اللقاح أو التريث؟ وهل له تأثير جانبي عليهم؟ وماذا عن الأطفال المصابين بالسرطان، هل ينصح بتلقيهم اللقاح كي لا يتعرضوا للإصابة بكورونا؟

توجهت "المدن" بهذه الأسئلة إلى الدكتور اللبناني نخلة سابا، الذي يدرّس في جامعة تولين نيو أورليانز في أميركا. وسابا تخرج من كلية الطب في الجامعة اللبنانية، وهاجر إلى أميركا ودرس الطب الداخلي في جامعة أيست تينيسي ستيت، وتخصص بأمراض سرطان الدم في جامعة تولين، حيث يدير مختبر دراسات سرطان الغدد اللمفاوية، ويعمل في مجال زراعة نُقي العظم. كما تخصص بهذا المجال في المعهد الوطني الأميركي، وترأس تجارب على أدوية وتجارب علاج البلازما في جامعة تولين على مرضى السرطان المصابين بكورونا. وهو نشر دراسات علمية في أهم المجلات العلمية المختصة بأمراض سرطان الدم، مثل "لانست أونكولوجي"، ومجلة "Blood" ومجلة "كانسر ريتسيرش"، ومجلة "بي أم تي نيتشر" ،ومجلة "ترانسفيوجن ميديسن"، وغيرها.

ما هي مضاعفات كورونا على مرضى السرطان؟ وهل تشملهم جميعاً؟
تشير الدراسات إلى أن كورونا يزيد من مخاطر مضاعفات مرضى السرطان، وقد يؤدي إلى الوفاة. لكن كورونا لا يؤدي لدى بعضهم حتى إلى مضاعفات. وفي الدراسات التي أجريت على آلاف مرضى السرطان المصابين بكورونا، تبين أن مرضى السرطان الحاليين (سواء كانوا يتعالجون حالياً أو خلال سنة من تلقي العلاج الكيميائي) معرضون لمخاطر أكثر بسبع مرات من الأشخاص غير المصابين بالسرطان. لكن الأمر يختلف بحسب نوعية السرطان. فمن يعانون من اللوكيميا أو سرطان الغدد اللمفاوية أكثر عرضة لمخاطر المضاعفات من باقي مرضى السرطان.

وهناك مرضى سرطان لا يؤثر عليهم كورونا أبداً، وهذه الحالات تدرس على حدى. لكن الإحصاءات تثبت المخاطر. وعندما كنت مسؤولا عن بحث حول مرضى سرطان الغدد اللمفاوية واللوكيميا، الذين كانوا تحت علاج كيميائي قبل شهر من التقاط العدوى، كانت مضاعفاتهم أعلى من الذين لم يتلقوا العلاج. ووصلت نسبة الوفيات بينهم إلى نحو 60 في المئة، لأن علاجات مرضى اللوكيميا تضرب جزءاً من جهاز المناعة المسؤول عن محاربة الفيروس.

كنت تعمل على علاج كورونا لمرضى السرطان. أين أصبحت هذه التجارب؟
أجرينا تجارب ببعض الأدوية، لكن النتائج لم تكن على قدر توقعنا. وتزامن ذلك مع ظهور لقاحات كورونا، فأوقفنا التجارب في أميركا كلها. فعندما تكون التجارب العلمية صارمة، نتثبت من نتائجها ونستطيع القول ما إذا كان هذا الدواء فعالاً أما لا. واتطرقُ إلى هذا الأمر لأعقب على ما يثار حالياً حول دواء "Ivermectin"، الذي سمعت أنه دخل إلى لبنان عن طريق السوق السوداء، لعلاج مرضى كورونا. فالمعطيات المتوفرة عنه لا تثبت ما إذا كان فعالاً أم لا. لكن للأسف كثر سارعوا إلى وصفه ولم ينتظروا الدراسات العلمية للتحقق منه.

ما مدى تأثير كورونا على الأطفال المرضى بالسرطان: هل يعانون من أعراض مشابهة للكبار تهدد حياتهم؟
الشيء الإيجابي بهذا الوباء أن تأثيره خفيف على صغار السن. ونسبة الأطفال الذين يعانون من أعراض خطرة ضئيلة جداً. لست متخصصاً بسرطان الأطفال، لكن وفق الأبحاث التي نشرت في هذا الشأن، كانت النتائج مفاجئة. حتى الأطفال المصابون باللوكيميا، والذين يكونون في طور تلقي العلاج الكيميائي، أو الذين أجريت لهم عمليات زراعة نقي العظم، لم تحدث لديهم المضاعفات التي كنا نتوقعها عندما أصيبوا بكورونا. فالنسب الإحصائية في هذا المجال معبرة جداً، وكانوا مثل غيرهم من الأطفال. لكننا ما زلنا متفائلين بحذر.

هل للقاحات تأثير جانبي على مرضى السرطان؟ وهل تحميهم من الإصابة؟ وهل من فرق بينها وفق التقنيات المعتمدة؟
بداية أثيرت خرافات ولغط كبيرين حول اللقاحات الحديثة مقارنة باللقاحات التقليدية. لكن لا بد من التذكير بأن لقاحات "فايزر" و"موديرنا"، اللذين يعتمدان تقنية مرسال الرنا، ليست جديدة كما يشاع، بل استخدمت سابقاً. وتمثل ثورة علمية ليس على مستوى اللقاحات، بل على الطب بشكل عام. وهناك دراسات كثيرة في هذا المجال لن نستبقها. وهذه اللقاحات آمنة مثل اللقاحات التقليدية. وتتميز عنها في مستوى سرعة إنتاجها. فالشركات تصنعها بكميات أكثر بكثير وبفترة أقل من اللقاحات التقليدية. وفي ظل انتشار سلالات جديدة من كورونا، ما زالت اللقاحات فعالة ضدها، بحسب الدراسات الأولية، وحتى لو تغيرت كما يحكى عن سلالة جنوب أفريقيا، سيكون لهذه اللقاحات فعالية معينة. وتعديل هذه اللقاحات أسهل بكثير من اللقاحات التقليدية، لتصبح متوافقة مع التحور الذي يحصل على الفيروس.

وفي الأحوال كلها، وبلا أدنى شك، يجب على مرضى السرطان أن يأخذوا اللقاحات. فهذه هي الطريق الوحيدة لخلاص البشرية بسرعة من كورونا. لكن الأمر يختلف حسب المرض. فمرضى سرطان الدم، وخاصة الغدد اللمفاوية، لا نطلب منهم أخذ اللقاحات التي تستخدم تقنية فيروس كورونا غير المفعل، مثلما نطلب منهم عدم أخذ لقاح الحصبة مثلاً. لأن الميكروب يكون حياً، لكنه غير مفعّل، ومناعتهم قد لا تتغلب عليه. بينما ننصح بأخذ لقاحات كورونا التي تعتمد الفيروس الميت، أو اللقاحات الحديثة التي تعتمد تقنيات الحمض النووي. ونقوم بتلقيح جميع المرضى الذين نتابعهم حالياً. 

هل للقاحات تأثيرات جانبية عند مرضى السرطان الذين أجريت لهم عمليات زراعة نقي العظم، أو من هم في طور تلقي علاجات السرطان؟
توقيت أخذ اللقاح مهم بالنسبة لمرضى السرطان. فمن يكونوا تحت العلاج قد لا تتفاعل أجسامهم مع اللقاح ليشكل المناعة المطلوبة ضد كورونا. وهذا مرتبط بنوع السرطان وعلاجه. وليس هناك من دراسات تثبت متى يجب تلقي اللقاح. لكن هناك توصيات صدرت حول هذا الأمر ومتوافق عليها: من أجرى علاج زراعة نقي العظم يجب أن ينتظر أقله ثلاث أشهر بعد العلاج لتلقي اللقاح، كي نضمن استجابة جهاز المناعة لديه. وبخصوص مرضى سرطان الدم الذين يتلقون العلاج الكيميائي ننتظر اختفاء تأثير العلاج على كريات الدم البيضاء.

أما سرطان الأعضاء الصلبة مثل الرئة والثدي وغيرها، فيجب أن يتلقوا اللقاح عندما يتوفر لهم ذلك، حتى لو كانوا تحت العلاج. لأن علاجاتهم لا تؤثر كثيرا على جهاز المناعة.

كما أن بعض علاجات سرطان الدم قد تحتاج لسنوات عدة، نستخدم خلالها أدوية معينة تخفف من قدرة جهاز المناعة في التفاعل مع اللقاح وإنتاج المضادات الحيوية. اللقاح لا يؤثر سلباً، لكن ربما لا ينجح. وبالتالي حتى لو تلقحوا يجب أن لا يتساهلوا مع إجراءات الوقاية الشخصية.

وهنا أشير إلى أن كل المرضى الذين بدأنا بتلقيحهم لم تظهر عليهم بعد أية أعراض جانبية مختلفة عن الأعراض التي تصيب أي مصاب آخر بكورونا.

التجارب على اللقاحات أجريت حتى الساعة على الأعمار فوق 16 سنة. هل مستحب تلقيح الأطفال المرضى بالسرطان لتجنيبهم العدوى بكورونا؟ وهل هناك من تجارب بهذا الشأن؟
ما زالت التجارب على من هم فوق الـ 16 سنة في انتظار المزيد من الأبحاث. ومضاعفات كورونا على الأطفال المصابين بالسرطان ضئيلة جداً، كما أسلفت. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024