حرج تبنين معرض للفناء.. حطباً للتدفئة بدل المازوت

قاسم مرواني

السبت 2021/10/09
يوماً ما كانت هناك سنديانة قديمة، تحوطها أشجار زيتون. وكان هناك عرزال في عبها بين أغصانها. على جذعها محفورة أحرف تخلِّد ذكرى ما. وحتى أمس ربما صار بعيداً، كانت هناك قصص حب وألعاب طفولية وصداقات وأشجار.

فؤوس التحرير
ومنذ أيام قُطعت السنديانة المعمرة وتحولت حطباً للتدفئة. وإذا عدت بذاكرتي إلى أيام الطفولة أستطيع أن أستعيد مشاهد أشجار السرو أمام بيتنا، وشجرة اللوز الوحيدة التي كانت تطل على الوادي، والسنديانة في الأسفل، وهناك أشجار التين على الجبل... اليوم لم يعد لهذا كله من أثر.

ولم يكن لدينا يوماً وعي بيئي حقيقي في لبنان وفي الجنوب على وجه التخصيص. ولطالما فضل الجنوبيون مكعبات الإسمنت على الأشجار. لذلك قلما ترى أحراجاً وغابات، إلا تلك التي أُجبر الأهالي على تركها بسبب الاحتلال والحروب. وما تبقى عملت فيه الفؤوس، فقطعته في احتفال التحرير المستمر حتى اليوم. وها التلال والروابي حول بلدات الجنوب وقراه جرداء من الشجر، باستثناء ما فرضته حاجة المقاومة لإخفاء ما تخفيه. 

العداء للطبيعة والبرد
ومنذ أشهر أعلنت جميعة "شيلد"، التي تتخذ من بنت جبيل مركزاً لها، عن مشروع تشجير في قرية السلطانية. وضعت البلدية إعلاناً على صفحات التواصل الاجتماعي معلنة أن العمل مدفوع الأجر، ومحصور باللبنانيين فقط. لكنها ما لبثت فيما بعد أن فتحت المجال للعمال السوريين، إذ لم يتقدم ما يكفي من اللبنانيين للعمل. ولا يزال الإعلان مطروحاً على وسائط التواصل حتى اليوم، ولا أحد يريد العمل.

والطقس الخريفي في الجنوب رائع، لكن لا أحد تقريباً يريد الالتفات إلى هذه الروعة في الطبيعة. أما في الشتاء فليس طقس الجنوب في قسوة طقس البقاع. لكن البرد الجنوبي يحتاج إلى التدفئة. وأساليب البناء المعتمدة في البناء بعد الثمانينيات، لم تنتبه لتزويد المنازل بما يستلزمها لعزل حراري، سواء في الصيف أو الشتاء عندما تصبح باردة، وبالكاد يحتمل البرد فيها. وفي السنوات الماضية كان الاعتماد الرئيسي على المازوت للتدفئة. واليوم، مع ارتفاع الأسعار وصعوبة الحصول على المحروقات، أصبحت بقايا الأحراج هدفاً للسكان، يقطعون أشجارها لمواقدهم الشتوية.

قطع الأشجار في حرش تبنين



وحسب مصدر في وزارة الزراعة، ازدادت نسبة قطع الأشجار هذا العام عن معدلاتها المعتادة في السنوات السابقة. والأسباب معروفة: غلاء مازوت التدفئة وصعوبة الحصول عليه. ومن يقطعون الأشجار نوعان: الفقراء العاجزون عن شراء المحروقات للتدفئة، والنوع الآخر هو الأخطر، يقطع الأشجار بهدف التجارة. وتكمن خطورة هؤلاء في أعداد الأشجار التي يقطعونها.

الوزارة والبلديات
وينفي المصدر نفسه تقصير وزارة الزراعة. فعلى الرغم من إمكاناتها المتواضعة - محدودية عدد موظفيها للمراقبة وسياراتها المتهالكة ومشكلة تأمين البنزين لها، بعدما كانت حصة السيارة قبل الأزمة 150 ألف ليرة شهرياً وبقيت على حالها اليوم، أي لا تكفي لشراء صفيحة وقود واحدة - يعمل جهاز الوزارة بما تيسر.

والمطلوب حسب المصدر هو تعاون البلديات التي لديها معرفة أفضل من الوزارة بالأحراج التابعة لها ولديها القدرة والإمكانيات الكافية لمراقبة عمليات القطع الحاصلة فيها، فالوزارة عاجزة عن مراقبة كل قرية، وهناك أيضاً مسؤولية تقع على عاتق المواطن الذي يجب أن يتمتع بحس المسؤولية تجاه البيئة والأحراش ويستطيع القيام بدوره والتبليغ عن أي مخالفة تحصل.

حرج تبنين قد يفنى
وحرج تبنين الواقع بين قريتي السلطانية وتبنين من الأحراج القليلة المتبقية في قضاء بنت جبيل. يروي كبار السن أن شطراً منه سنديان أزلي، وشطراً آخر صنوبر زرع في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي. فآنذاك كان الناس أقرب إلى الطبيعة وشجرها، وكانوا يعودون من بيروت صيفاً للتمتع بحياتهم القروية. واستلزمهم تشجير الحرج بالصنوبر القليل في الجنوب أصلاً، سنوات أربع من عمل أهالي كلتا القريتين.

وهم يروون أيضاً أن مأمور أحراج في بدايات أيام الحرب كان يقوم بحماية الحرج، حاملاً سلاحه ومستعداً لإطلاق النار على كل من يحاول قطع شجرة. ولطالما تشاجر ذاك المأمور مع سكان القرى المحيطة، لمنعهم من قطع الشجر.

وبعد  حرب السنتين (1975 – 1976) والاجتياح الاسرائيلي (صيف 1982)، نادراً ما قطعت أشجار بغرض التدفئة. وعلى الرغم من استمرار الحرب والاحتلال والمقاومة حتى التحرير (في العام 2000)، قل عدد الأشجار التي قطعت من الحرج نفسه. لكنه اليوم معرض للفناء تماماً حطباً للتدفئة بدل المازوت.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024