الكعب والحليّ... هل تبقى تعابير أنثوية؟

عصمت فاعور

الأحد 2016/11/27
كثير من الملابس والحلي المنسوبة إلى النساء اليوم، كانت مخصصة للرجال في حقبات سابقة. فالتنورة والكعب العالي وليغينغ Legging وأقراط الأذنين، تنقلت بين الرجل والمرأة خلال الأزمنة، إلى أن رست كتفصيل يسهم في رفع منسوب الأنوثة عند المرأة وربما في زمن آتي ستتغير هذه المعادلة.

الكعب العالي 


في البداية كانت وظيفة الكعب زيادة الطول عند الرجل واستخدم كتعبير ذكوري يعلي الشأن ويعزز طلّة الرجل وهيمنته. في الحضارة المصرية ارتدى الحكام الفراعنة الكعب كرمز من رموز التمييز الطبقي. أما المقاتلون الفرس فقد انتعلوا أحذية بكعوب لتساعدهم على القتال ورمي السهام بشكل أدق. انتقل الكعب إلى أوروبا مع بعثة فارسية ارتدى بعض أفرادها الكعب، فأبهرت الأوروبيين، إلى أن اعتمدتها بعض فئات الطبقات الأرستقراطية الأوروبية كنوع من التميز عن الطبقات الأدنى. طبعاً، نتحدث هنا عن كعب لا يصنف كعباً عالياً، إنما ما بين الكعب المنخفض والمتوسط.

أما الكعب العالي، الذي يزيد طوله عن 10 سنتمرات، فانتعله للمرة الأولى ملك فرنسا لويس الرابع عشر. إذ كان معدل الطول في فرنسا يومها نحو 165 سنتمتراً، بينما كان طول الملك 162. لم يكن طول الملك ليتناسب مع غروره وصورته عن نفسه ووصل الأمر به إلى حصر الكعب بالمقربين به ومنعه عن العامة. لاحقاً، وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر، أصبحت فكرة الكعب العالي شائعة أكثر ووصلت إلى فئات اجتماعية أخرى.

بفعل تطور الذوق وتطور مفهوم الرجولة عند الأوروبيين، سُخّفت فكرة الكعب إلى أن تخلّوا عنه كما تخلى الرجال عن الألوان الصاخبة والزخرفة والحلي في اتجاه مختلف نحو الألوان البسيطة والداكنة مبتعدين في الوقت نفسه عن تصفيف الشعر المعقد نحو الشعر القصير والبسيط.

خلال انتشار الكعب لدى الرجال، ارتدت نساء الكعب مثلما اقتبست نساء أخريات تصفيفات شعر رجولية، لكن هذه الحالات بقيت في نطاق ضيق من دون أن تصبح موضة سائدة لفترة طويلة. استمرت هذه الحالة حتى القرن التاسع عشر، إذ أصبح الكعب تعبيراً جمالياً أنثوياً وجزءاً أساسياً من صورة المرأة.

لغينغ أو الفيزو Legging


اللغينغ عبارة عن لباس ضيق يغلف الساقين، كان يصنع من الجلد، الصوف والقطن وتنوعت أشكاله عبر الأزمنة. ارتدى الرجال نوعين من اللغينغ، الأول عبارة عن سروال ملتصق بالجسم والثاني قطعة لكل قدم. اعتمده الصيادون لاتقاء البرد ووضعه المحاربون فوق الأدرع. لاحقاً ارتدى الرجال معه معطفاً مع حزام للخصر، وتحول هذا النمط إلى لباس شعبي استمر لقرون. وفي حين أصبح الرجال يرتدونه كنوع من الموضة، إلا أن النساء اعتمدنه حصراً كلباس داخلي لإتقاء البرد.

يعتبر رعاة البقر أول من أدخل اللغينغ إلى أميركا كقطعتين منفصلتين من الجلد لحماية الساقين خلال ركوب الخيل، واستمر حتى يومنا هذا كلباس رسمي للفرسان. وعرف اللغينغ مع التنورة الضيقة القصيرة كستايل للمرأة ذات البشرة السوداء Black Women Style في زمن مناهضة العنصرية. أبرز اللغينغ أرداف المرأة السوداء وما لساقيها من مقومات جمالية مقارنة مع المرأة ذات البشرة البيضاء. وبذلك لعب اللغينغ أول أدواره، وأسهم في منح المرأة ذات البشرة السوداء الثقة بجسدها وجمالها، بعدما كان للمرأة البيضاء أفضلية جمالية على السوداء في زمن العبودية.

لم يتوقف الدور الاجتماعي لهذا اللباس، فارتدته المغنية الأميركية مادونا وساندي لوبر في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، إذ أصبح في تلك الفترة رمزاً للتمرد على القيم السائدة، ثم تحول لاحقاً إلى موضة ولباس لرياضة الآيروبيكس Aerobics التي انتشرت أولاً في أميركا وساهمت في إعطائه دفعة قوية في تحوله إلى لباس معولم.

أقراط الاذنين


تزين المصريون القدماء، رجالاً ونساء، بالحلي وكانوا من أول من استخدم أقراط الأذنين. وشاعت أقراط الأذنين في بلاد فارس لكنها كانت حكراً على الرجال دون النساء فتميز الرجل الفارسي بحلقة دائرية في أذنيه. كما أن كثيراً من صور بورتريه الإنكليز تظهر رجالاً يضعون الحلقة الدائرية، ولعل صور الكاتب الشهير وليم شكسبير أحد أبرز الدلائل على استخدام الرجال الأقراط أكثر من النساء في تلك الفترة. يمكننا القول إن أقراط الأذنين هي من الحلي القليلة التي حققت إنتشاراً عالمياً، إذ كانت حلياً ذكورية تُميِّز الهنود الحمر ولاحقاً الرجل في أميركا اللاتينية. ورغم إنتشارها العالمي إلا أن شرق آسيا بقي عصياً على هذه الحلي حيث منعتها اليابان في إحدى الفترات كما بعض الدول المجاورة على الرجال والنساء على السواء.

كسرت النساء في القرن التاسع عشر احتكار الرجال الأقراط وتحولت حلياً للجنسين، قبل أن يتخلى عنها الرجال في نهاية القرن التاسع عشر. إلا أن صعود الهيبيز بعد منتصف القرن العشرين أعاد استخدام أقراط الأذنين كحلية للرجال، كما انتشرت في مجتمع المثليين. وحتى يومنا هذا مازالت الحلقة الدائرية ميزة جاذبة للرجل، ورمزاً ذكورياً للمرأة التي تلبسه.

تتجه "الموضة المستقبلية" نحو توحيد مزايا الجنسين في الملبس. ولعل النماذج المعروضة هي عينة صغيرة، ولا يجب النظر إلى الموضة هنا كلباس فحسب. فقد كان الكحل على سبيل المثال زينة ذكورية وأنثوية. كذلك لا تقتصر الموضة على مجرد إظهار جمالية البشر، بقدر ما تعبر عن ثقافة اجتماعية. وكلما اتجهنا نحو توحيد مزايا الموضة، فإننا بشكل أو بآخر نقترب من تحقيق المساواة على المستويات الجندرية والعرقية والطبقية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024