في البقاع.. لكل يوم سوقه

لوسي بارسخيان

الخميس 2017/04/20
تتوزع الأسواق الشعبية في البقاع على أيام الأسبوع، إذ يرتبط كل يوم بسوق مخصصة له. فالإثنين مخصص لسوق المرج، الثلاثاء لسعدنايل، والأيام الأخرى تتوزع على بعلبك (الأربعاء والسبت)، علي النهري (الخميس)، فيضة زحلة (الجمعة) ورياق (الأحد).

يقال إن سبب إزدهار هذه الأسواق، خصوصاً في سعدنايل وبعلبك، مرتبط بإرتفاع أعداد اللاجئين السوريين، كما يُرى أيضاً كمؤشر لتدني القدرات الشرائية عند السكان. ففي هذه الأسواق زوايا وبسطات لـ"أفقر الفقراء"، تعج بزبائن يقصدون المقتنيات والملابس والأحذية المستعملة، التي تكون عادةً في غاية الرخص، والأكثر جذباً للزبائن بين بسطات السوق.


تتشابه في هذه الأسواق وجوه الباعة، الذين ينتقلون حاملين بضائعهم من سوق إلى أخرى. مصدر البضاعة، وفقهم، هو سوق الأحد في بيروت، الذي ينقل، كل إثنين، كومة واحدة إلى تجار سوق سعدنايل. يوم الثلاثاء يبيع التجار في سعدنايل ما تبقى إلى بسطات بعلبك. وتبدأ البضاعة من تلك اللحظة رحلتها بين البلدات البقاعية، حتى تعود إلى سوق الأحد في بيروت، كفرصة أخيرة لتصريفها قبل أن تنهي مسيرتها في الكسر. أي استخدامها كخرق في صناعة ثياب أخرى، أو في مكبات النفايات.

يقول عبيسان، أحد الباعة في سوق سعدنايل، لـ"المدن"، إن تجار المستعمل في الأسواق الشعبية، يشترون أكوام البضائع من دون أن يعرفوا ما في داخلها، فإما أن يوفقوا بمقتنيات ذات قيمة، تحقق لهم بعضاً من الأرباح، أو تكون مجرد خردة وخرق بالية تبقى في أرضها.

هي إذاً كورقة اليانصيب. "إما أن تؤمن أرباحاً تكفي العائلة ليومين أو ثلاثة، أو يذهب استئجار المساحة من البلدية هباءً". يشرح تاجر آخر أن "الشطارة مطلوبة ليس من التاجر الذي يحاول أن يخرج بيضة الذهب من بين الأكوام فحسب، وإنما من الزبون أيضاً، الذي يجنح أحياناً بالتشاطر إلى حد المغادرة بحاجياته من دون سداد ثمنها، حتى لو كان سعر قطعة الملابس بألف ليرة، وزوج الحذاء بألفين".


وعندما سألت أحدهم إذا كان يصنف زبائنه كفقراء، تلقيت الإجابة من زبون يقف إلى جانبنا: "الناس تختبئ في ملابسها. كثيرون ممن يدعون الراحة المادية، نجدهم في هذه الأسواق، يحاولون الفوز بالمقتنيات الثمينة". إلا أن ما يشير إليه الزبون يبقى إستثنائياً، فالبؤس يظهر واضحاً على وجوه المتهافتين على تلك الأسواق، حتى لو لونت الوجوه من وقت إلى آخر، إبتسامة العثور على فردة حذاء ضائعة، أو على طقم من الملاعق والشوك المرتبة.

البؤس هنا مشترك بين البائع والزبون، كما يقول محمد حمود، تاجر المستعمل منذ 30 عاماً. يضيف: "صحيح أن اللجوء السوري زاد عدد الزبائن، إلا أن أرباح المهنة تتضاءل مع ارتفاع كلفة استئجار المساحة والنقل. ففي حال غنمت في أحد الأيام مئة ألف ليرة، كأني أصبحت غنياً، أو ملكاً".


يوافقه في ذلك خليل نجار، المتخصص بتجارة الكهربائيات المستعملة. يجمع نجار المكاوي والخلاطات ومكانس الكهرباء، من المنازل مباشرة بعد تجربتها. ثم يبيع كل قطعة منها بسعر يناسب حالتها. ومثل محمود لا يبدي نجار رضىً على حركة السوق وإمكانيات الزبائن، الذين يقول إنهم "متمرسون بالمفاصلة".

الغوص في زوايا هذه الأسواق الشعبية يثير الفضول بعبثية المعروضات والمتهافتين عليها. فالثياب والأحذية تختلط في معظم الأحيان مع مقتنيات لا تعني سوى أصحابها الأول. فتجد كتباً، لوحات، صور قديسين، كتباً دينية، صور زعماء سياسيين ورجال دين، كما تجد صحفاً ومجلات قديمة وصوراً شخصية، قد تخفي وراءها قصصاً يحاول بعض الفضوليين اكتشافها، إلى أن يتخلصوا منها يوماً فتلقى المصير نفسه الذي أراده لها أصحابها الأول. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024