صفاء عيّاد
هذه الأمثلة جعلت الحاضرين يتسألون عن النماذج التي يجب أن تطبق في لبنان، خصوصاً أنها أشبه بالمثاليات التي يصعب تطبيقها. بل وفي حال تحققها، قد تتوقف وتتعطل بعد سنوات قليلة بسبب غياب الصيانة، ومنافسة السوق.
الواقعية
وحدها مداخلة مدير عام النقل البري والبحري عبد الحافظ قيسي، كانت أقرب إلى الواقعية، مقدماً عرضاً نموذجياً لتجربة باصات النقل العام المشترك، مع مواقف مخصصة ومرقمة على طول خط الساحلي وفي مدينة بيروت الكبرى. ووفقاً لقيسي يكفي في المرحلة الأولى 250 باصاً للبدء بحل مشكلة السير، شرط تلزيم الباصات للقطاع الخاص، تحت اشراف الإدارة المعنية، من أجل ضمان مسألة استمرارية الصيانة. وتعبيراً عن التاريخ المنشود للتنفيذ، علق قيسي ممازحاً "ملأ الشيب شعري ولم أر أي تطور في القطاع، خصوصاً بعد مئات الدراسات والمشاريع التي أعدت منذ دخولي الوزارة". وأمل أن "لا يصييب الشيب رأس مدير عام مصلحة السكك الحديد، قبل إعادة تشغيل القطارات في لبنان".
كلفة أزمة السير
عرض المؤتمر الكلفة التي يتكبدها الاقتصاد اللبناني جراء أزمة السير وغياب الخطط لتطوير القطاع، والتي تبلغ ملياري دولار أميركي. كما تتكبد خزينة الدولة نحو 450 مليون دولار كبدلات نقل لموظفي القطاع العام. أما المواطنون فينفقون حوالى مليوني دولار ثمن بنزين للسيارات الخاصة شهرياً. وكل هذه الأموال لا تعود بفائدة فعلية لتطوير النقل العام!
التوصيات
ستبقى توصيات المؤتمر حبراً على ورق، رغم تعهد وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس بمتابعتها وتبنيها. ولم ينكر صعوبة تأمين التمويل اللازم لها، معولاً على الأموال المرصود لقطاع النقل من مؤتمر سيدر. إذ سيصار إلى إنشاء هيئة ناظمة تتمتع بكفاءات عالية لوضع خطة نقل تلبي حاجة لبنان، ووضع مخطط توجيهي شامل، لتكوين أرضية مشتركة لتكامل جهود الإدارات المعنية في قطاع النقل، وتطبيق استراتيجية مستدامة وتوجيهية لإشراك هيئات المجتمع المدني والهيئات الإعلامية المعنية في تطوير قطاع النقل، وتشجيع الاستثمار والشراكة مع القطاع الخاص، وإزالة التعديات عن سكة الحديد والأوتوسترادات والأرصفة، وتنظيم مزاولة مهنة النقل العام، وإعفاء السائقين العموميين من الغرامات الجمركية، والتشدد في تطبيق قانون السير.
لكن التوصيات لم تأت بأي جديد لحل مشكلة النقل العام في لبنان، بل كانت عبارة عن خطوات مكررة، خصوصاً أنها كانت محط اهتمام العديد من الجمعيات الأهلية التي تعنى بالسير، والتي خصصت محاضرات ومخططات كثيرة لحل أزمات السير، والكلفة الاقتصادية التي تتكبدها الدولة. بينما كان الأجدر بهذه المجموعة من أصحاب الإختصاص الهندسي والعلمي الإبتعاد عن "الكليشيهات"، والبدء بوضع خطة تلائم الواقع الحالي للبنان، والبنية التحتية، قائمة على دراسة جدوى اقتصادية واضحة للمشاريع التي من الممكن أن تنفذ، بدلاً من الإعتماد على تجارب دول أجنبية تفوق مساحاتها مساحة لبنان عشرات المرّات.