مطالب متعاقدي الجامعة مصابة بعدوى المحاصصة الطائفية

وليد حسين

الجمعة 2019/03/15
حال الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية الذين يتحرّكون لرفع الغبن عنهم، ليس أفضل من واقع هذا البلد بسياسييه وفساده وطائفيته ومحاصصته القائمة بين زعمائه. وعلى عكس ما يُنتظر منهم إعلاء شأن البلد بجامعته الوطنية، لما لهم من دور أكاديمي وعلمي، تراهم يطالبون بمطالب، أقل ما يقال فيها إنّها لا تنتمي إلى الجامعة وعلومها بشيء. 

في معنى "الوطنية" و"التوازن"
في تحرّكهم الأخير أمام مبنى الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية بجانب المتحف الوطني، اصطفوا جميعهم خلف لافتة من الحجم الضخم كُتب عليها "الجامعة اللبنانية، تفرّغ أكاديمي متوازن وطنياً"، مرفقة بهاشتاغ لزوم الترويج في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المقصد من كلمة "وطنياً" في حراكهم الاحتجاجي، بخلاف ما تعنيه، هو تأمين التوازن الطائفي غير الموجود حالياً في دفعة الأساتذة التي تنتظر إقرار مرسوم انتقال بعضهم من التعاقد إلى التفرّغ منذ قرابة خمس سنوات. فأغلبية المتعاقدين الواردة أسماؤهم في المرسوم المؤجّل والذين يستحقون الدخول إلى التفرّغ هم من الشيعة.

وللتذكير فأن آلية اختيار المستحقين للتفرّغ، إلكترونية، إذ يوجد برنامج خاص يتضمّن المعايير المطلوبة لقبول المرشحين من بين الأسماء التي يرفعها "مجلس الوحدة". وقد تمّ وضع تلك المعايير إلكترونياً لضمان فوز من تنطبق عليه تلك الشروط العلمية والفنية والشخصية. وبعد أن اختار البرنامج 570  أستاذاً، رفعت الأسماء إلى مجلس الوزراء منذ خمس سنوات، ثمّ وضع المرسوم في الأدراج، نظراً لاعتراض بعض القوى السياسية عليه، وخصوصاً المسيحية منها.

لكن الملفت في تحرّك هؤلاء الأساتذة، الذين كانوا يقفون بالعشرات خلف تلك اللافتة الكبيرة، الشعارات-المطالب التي كُتبت على اللافتات الصغيرة التي حملها بعضهم والتي تتناقض مع فحوى التحرّك المطالب "بالتوازن". فعلى إحداها كُتب "أبعدوا الطائفية عن الصرح الأكاديمي". الأمر الذي بدا كما لو أنّ التحرّك خارجٌ من عقاله، أو تائه بين طلب الشيء ورفضه في آن معاً. فالأساتذة يطالبون بالتوازن كي تنتهي معاناتهم مع المسؤولين لبتّ المرسوم المعطّل بسبب غلبة الشيعة بين زملائهم المستحقّين من ناحية، وفي الوقت عينه يريدون إبعاد الطائفية عن الجامعة!

أحزاب وطوائف
ووفق أحد الأساتذة الذي فضّل عدم ذكر اسمه، مشكلة تحركات المتعاقدين لم تعد تقتصر على بت المرسوم العالق في مجلس الوزراء. فالمطالبون به يتحركون جنباً إلى جنب مع الأساتذة الذين يطالبون بإعادة تعديل شروط الترشّح لاختيار المتعاقدين للتفرّغ، كون تعديل الشروط من شأنه إدخال أساتذة من طوائف متعددة لتحقيق التوازن، المسمّى عنوة، وطني. ويضيف الأستاذ، صحيح أنّ الشروط الموضوعة بشرية ويمكن تعديلها نحو الأحسن لضمان جودة التعليم الجامعي، لكن المطالب الحالية التي يريدها المتعاقدون بعيدة عن وضع شروط تتعلقّ بالكفاءة العلمية والأكاديمية. وبرأيه تتمحور مطالبهم حول وضع شروط أقل صرامة كي يتسنّى لبعض الأساتذة المنتمين إلى بعض الطوائف الدخول إلى "جنّة" التفرّغ، كونهم لم يتمكّنوا من التأهّل إليها وفق الشروط الحالية، التي تفرض على المرشّح مزاولة التعليم في الجامعة اللبنانية لمدّة لا تقل عن السنتين وبعدد ساعات لا تقلّ عن المئتين.

بمعنى آخر، ولكي "يتفرغ" كامل عدد الأساتذة الشيعة، فلنجلب ما يوازيهم عدداً من المسيحيين وإن لم يكونوا غير مستوفيي الشروط. وعلى هذا المنوال، يمكننا أن نخمن أي رقيّ أكاديمي ستتمتع به الجامعة مع هكذا "سياسة" وهكذا "عقلية".. وهكذا أساتذة!

تلك المناصفة
في المقابل يشير أستاذ آخر متعاقد، في محاولة براغماتية لتبرير تحرّك الأساتذة لتحقيق التوازن، إلى أن القوى السياسية المسيحية الممثلة في الحكومة ستكون غير متحمسة لقضايا الجامعة ودعمها طالما أنها لا تؤمّن المناصفة على المستوى الوظيفي. وبالتالي وجود التوزان الطائفي بين الأساتذة يشجّع تلك القوى السياسية على دعم الجامعة، والمطالبة بجعلها قوية على المستويات كافّة.

بعيداً من أحقيّة أو عدم أحقيّة تحرّك الأساتذة خلف تلك الشعارات، مشكلة الجامعة اللبنانية هي من مشكلة البلد المنقسم طائفياً. وطالما أنّ كل شيء في البلد يسير وفق منطق التوازن الطائفي، فحريّ بالجامعة تطبيق هذا المبدأ في صرحها، وهو ضمير هؤلاء الأساتذة المنتفضين. لكن هذا لا يمنع القول بإنّ مطالب الأساتذة تنتمي إلى زمن الطوائف وعوالمها، التي لم تجلب للبنان إلّا الخراب والحروب المدمّرة، تحت مُسمّى الدفاع عن الحقوق والتوازن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024