96 الحزب الشيوعي.. تابوهات مكسّرة وجرأة مطلوبة

نادر فوز

السبت 2020/10/24
في العيد الـ96 للحزب الشيوعي اللبناني مسيرة ورايات وهتافات وخطاب. الحزب الخارج من صلب معركة 17 تشرين، بحلوها ومرّها، يعود إلى الشارع منفرداً لإحياء ذكرى تأسيسه، بأعلامه التي غابت عن مختلف ساحات الثورة طوال عام كامل. لعب الحزب دوراً محورياً وأساسياً في حشد الناس وتنظيم حركتها في بيروت وخارجها. كان شباب الحزب أشبه بخط الدفاع الأول بوجه هجمات الشبيحة وغزواتهم في العاصمة والمناطق. في ساحة رياض الصلح، هم من تصدّى أو حاولوا التصدّي. في المناطق، جنوباً وبقاعاً وشمالاً، شكّلوا العصب الفعلي. يخرجون اليوم، كما سائر الأحزاب والتنظيميات والمجموعات المشاركة في 17 تشرين، بانكسار جسّدته عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة.

تابوهات مكسّرة
النقاش دائم ومفتوح حول قيادة الحزب وموقفها الفعلي من جملة عناوين سياسية أساسية مطروحة بالبلد، بدءاً من حزب الله وسلاحه وصولاً إلى الموقف من النظام السوري، مروراً بالعلاقة مع سائر الأحزاب الأخرى المنضوية تحت جناح المنظومة أو خارجها. في ميادين الثورة كانوا عصباً أول، وحُملّوا ارتكابات لم تصدر عنهم فقط لأنّ الحزب مفروز بالسياسة. لكن سياسياً، نجحوا في كسر "تابوهات" عديدة، في التواصل والتنسيق واللقاء والاجتماع والتحاور مع حزب الكتائب مثلاً، ومع مجموعات "مجتمع مدني"، وفي طمس حجّة "المقاومة" للتغاضي عن واقع الفساد في الدولة ومن يدير المقاومة والبلد ومؤسساته وإداراته وموازناته. وهذه التابوهات المكسّرة، جعلت من القيادة الحالية عرضة لاتهامات العمالة حيناً والتآمر حيناً آخر. فالخطاب التخويني، دائم ومستمرّ، في الحزب الشيوعي كما في البلد إجمالاً. هو ملح المنظومات السياسية والحزبية والإعلامية الحاكمة والمستحكمة، المتخلّفة.

جرأة ناقصة
ما تعيه قيادة الحزب اليوم أنّ ثمة عملاً لم يُنجز ولم يثمِر بعد على مستوى توسيع الحيّز السياسي وتثبيته مع أحزاب أو مجموعات تتقاطع على العناوين والمطالب نفسها. وما قامت به قيادة الحزب وقطاعات عدّة في الحزب خلال العام المنصرم، بحاجة إلى ترجمة فعلية، سياسياً وإعلامياً. بحاجة إلى جرأة إضافية ومطلوبة، لا تزال ناقصة لإقراره وتكريسه. وتاريخ الحزب يشهد أنّ المصالحات التي تمّت بعد الحرب الأهلية لم تعش طويلاً ولو أنها كانت سبّاقة وواقعية وحقيقية. واستكمال هذه المصالحات يستوجب اليوم فعلاً وجهداً إضافياً ومنطقياً، نظراً لمساحات مشتركة مع "أعداء" الأمس ومع خصوم قيل إنّ الخصومة معهم بديهية. وتقول التجربة اليوم أنّ إقامة تحالف سياسي معهم عمل سياسي بديهي أيضاً، لا عيب فيه ولا ذلّ أو انتقاص من مكانة سياسية مهزوزة أساساً.

عنوان أطول من مسيرة
في مسيرة انطلقت من صيدلة بسترس وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، أحيا الحزب الشيوعي العيد الـ96 لتأسيسه. مكبرات صوت، أعلام حمراء، مناجل ومطارق، ولافتات حمراء مكتوب عليها بالأصفر والذهبي، ومطالب وعناوين تؤكد على استمرار الانتفاضة. مسيرة "من أيلول التحرير إلى تشرين التغيير.. سنمضي، سنمضي إلى ما نريد، وطن حرّ وشعب سعيد"، قد يكون عنوانها ربما أطول من المسافة التي قطعها الشيوعيون في شوارع بيروت اليوم وسط إجراءات صحية مناسبة لظروف كورونا. وكان للأمين العام في الحزب الشيوعي، حنا غريب، كلمة أكد فيها على "الجمع والتكامل بين انطلاقة جمّول في 16 أيلول  1982 (عند بسترس) وانتفاضة 17 تشرين الأول 2019 (ساحات بيروت)، اللتين تجسّدان اليوم معنى المواجهة الواحدة للقضية الواحدة، التي انتصر لهما شعبنا في المحطتين معاً، مؤكدا صحة هذا الخيار التاريخي لحزبنا وصوابيته". وشدد غريب على سلسلة من العناوين التي "تؤكد على مفهومنا المقاوم، ضد النهب الإمبريالي والصهيوني لخيرات شعوبنا وثرواتها، وضد الأنظمة الرأسمالية التبعية المحلية ومنظوماتها السياسية الفاسدة ومنها منظومتنا اللبنانية". ولفت غريب إلى أنّ "كل محاولات إنعاش هذا النظام وتعويم منظومته فشلت، فلا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الحريري التي أطاحتها انتفاضتكم الشعبية نفعت معه، ولا حكومة الأكثرية النيابية برئاسة حسان دياب نفعت، وكذلك حكومة المهمة".

المفاوضات.. خضوع
وتناول غريب ملف المفاوضات حول ترسيم الحدود فقال إنه "لا نرى أي مبرر للتفاوض على ترسيم الحدود مع العدو الصهيوني ولبنان يعيش حالة الانهيار الشاملة، بل نرى في ذلك خضوعاً مكشوفاً للبنان أمام العقوبات والضغوطات الأميركية". وبعد أن أكد على مواصلة النضال، لفت غريب إلى "المضي قدماً نحو بناء أوسع ائتلاف وطني للتغيير يفضي إلى تعديل موازين القوى وإرساء أسس المشروع السياسي البديل، بدءاً من فرض حكومة انتقالية من خارج المنظومة الحاكمة وبصلاحيات استثنائيّة كمقدمة لقيام الدولة العلمانية الديمقراطية في لبنان".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024