سهر الشوارع.. حقيقي

زكريا جابر

السبت 2016/12/31

تُعتبر ليلة رأس السنة مناسبة عالمية لفقدان الوعي والتبذير الكحولي والمالي من دون الإحساس بأي ذنب. وهي فرصةٌ للاغتسال من ذنوب الماضي والتفكير الذاتي بسنةٍ أفضل. لكن، هناك من يفضل أن يسهر، في هذه الليلة، في الشارع، حيث المكان الوحيد للسهر، بعيداً من البيت، الذي لا يكلف شيئاً تقريباً.

في الشارع، يمكن للساهرين الالتقاء بلا حجوزاتٍ مسبقة وتذاكر باهظة وقوانين "الأزواج"، التي تشترط على الرجل الدخول إلى الحانة برفقة امرأة. فالشارع، بأدراجه التي تحولت إلى مقاعد، مكان مناسب للجميع، بمختلف أحوالهم الاجتماعية.

ويمكن لمن اختار هذا السهر الشوارعي أن يستفيد من أقداح التيكيلا الموزعة مجاناً في شوارع منطقة مار مخايل-النهر، شرقي بيروت. ففي هذه الليلة، جماعات ستركض وراء كل ما هو مجاني أو غير باهظ من الكحول. وهناك من يتابع عروض شركات المشروبات الروحية، التي تروج لمشروباتها عبر مندوبين يوزعون أقداح التذوق على مدار الليل، وهن غالباً شابات في العشرينات، يُطلب منهن التبرج وارتداء ملابس مناسبة لأجواء السهر.

ريشارد، وهو واحد من هؤلاء، سيقضي ليلة رأس السنة في شوارع بيروت المليئة بالحانات. لكنه قرر ألا يدفع أكثر من 20 دولاراً. "بين الحمرا ومار مخايل وبدارو ووسط المدينة، سأتجول حاملاً زجاجتي الخاصة من الويسكي وسجائري. أما الـ20 دولاراً فأستركها لطعام ما بعد السهر. فهذا الجزء من السهرة أهم من السهرة بأكملها".

هكذا، لن يكتئب ريشارد، لأنه لم يسهر، كأخرين، في الحانات والنوادي الليلية. بل على العكس. وهو يصف ليلته، التي ستبدأ من أقصى شرقي بيروت حتى أقصى غربها، بـ"تجربة استكشاف المدينة في ليلة التقاء الجميع حول بارٍ واحد وطاولة واحدة. سأمرر سلاماتي من نوافذ الحانات للأصدقاء وسأشرب نخبهم".

أما سارة، التي لن تقضي ليلتها الأخيرة من العام 2016 في المنزل ولا في الحانات، فستقفز بين دكاكين بيروت، لتشتري الجعة، ثم تلتقي ببعض الأصدقاء. سيكون دافعها الوحيد لدخول الحانات أي قدح سريع على حساب الحانة. "أنا لا أؤمن بالحانات، وأعتبرها أكثر المؤسسات نفاقاً وضرراً للسكارى. لا أثق بأحد عند الثمالة، لذلك سأقضي ليلتي بين الحانات وليس داخلها".

لكن السهر لا يصح في أي شارع في بيروت. هناك شوارع معيّنة تميز فيها أسلوب السهر الشوارعي. ولكل شارعٍ منها ميزة فولكلورية أو طابع خاص. فعلى سبيل المثال، اشتهر شارع الحمرا بأرصفته التي تجمع المراهقين والسكارى على أدراج المتاجر وفي زقاقٍ ضيق ممتلئ بالحانات. أما شارع بدارو فيتحول، في كل مناسبة، إلى مهرجان. وفي مار مخايل، تنتقل الحانة إلى الخارج، فحيث يصبح الشارع أكبر حانة.

لكن وسط بيروت، في هذه الليلة، حالة خاصة. إذ يتحول إلى مشاعٍ واسع ومجاني لكلّ الذين لا مقعد لهم على موائد الحبش المحشي أو على خشب البارات. فخلال ليلة رأس السنة يعود معنى وسط المدينة الحقيقي، كملتقى لجميع الطبقات. وفي هذه الليلة فحسب نجد صورة وسط المدينة التي نسعى لتحقيقها دوماً، وهي صورة زحمة سير سعيدة ومجدية، حيث الرقص والضحك والأجواء العائلية والكحولية تمتزج ببعضها لتنتج ليلة سعيدة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024