سوريون هاربون من بشرّي: ضربوا أطفالنا.. أحرقوا بيوتنا

جنى الدهيبي

الخميس 2020/11/26
يبدو أن تداعيات مقتل الشاب جوزيف طوق في بشري، التي وقعت ليل الثلاثاء 24 تشرين الثاني، على يد العامل السوري (م.ح.)، لم تنتهِ بعد (راجع "المدن").  

هذه الجريمة المروعة، فتحت باب السجال حول ملف اللاجئين السوريين، لا سيما بعد الترويج لرواية أن عددًا كبيرًا من السوريين النازحين في لبنان، داخل المخيمات والمناطق، يوجد في حوزتهم أسلحة حربية. فور وقوع الجريمة، سُرّبت صور وفيديوهات تكشف عن حرق منازل السوريين في بشري، وطرد العشرات منهم خارج البلدة، كرد فعل أولي من ذوي الضحية وأقاربه. لاحقًا، حاولت البلدية احتواء الحادث، ونفت طرد السوريين وإضرام النيران بمنازلهم، وأكدت سيطرتها على هذا الحادث الفردي، الذي أدى إلى ردود فعل غاضبة، بعد خسارة ابن البلدة.  

أمام مكتب المفوضية
لكن، يبدو أن قصّة طرد السوريين من بشري بدأت تتضح يومًا بعد آخر، في ظل وجود عشرات العائلات السورية التي تفترش الأرض، في منطقة المعرض في طرابلس، وتحديداً أمام مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين السوريين.  

وفي جولةٍ لـ"المدن" على العائلات السورية الهاربة من بشري، روى بعضهم قصصًا مأساوية عما تعرضوا له، في الساعات الأخيرة التي سبقت طردهم أو هربهم من بشري. وهم يأسفون لوقوعهم ضحية حادث فردي، لا علاقة لهم به، فيما يأكدون على مطلبهم بالعدالة ومعاقبة قاتل الشاب، من دون أن يدفعوا ثمن ما ليس ذنبهم.

شهادة لاجئ هرب إلى طرابلس


وعلى أحد أرصفة المعرض المليئة بالنفايات، كان يجلس رجل خمسيني يدعى فيصل حمدون، بدت الجروح على رأسه ويديه الملفوفين بالشاش الأبيض، إثر تعرضه للضرب المبرح من قبل شباب في بشري، فور وقوع جريمة قتل طوق. قال: "أعيش في بشري منذ 10 سنوات، حين لجأت من سوريا هرباً من الحرب. وهي المرة الأولى التي أتعرض لها لمثل هذا الموقف، بعد أن تفاجأت بشباب اقتحموا منزلي وأحرقوه وضربوني مع ابني من دون أي سبب، إلى أن عرفت أن سبب هذا الهجوم هو الجريمة التي ارتكبها العامل السوري بحق ابن طوق".  

على بُعد أمتار، يتساءل طلال حميد (38 عامًا) إن كانت الجنسية السورية صارت ذنبًا، ويستغرب طردهم على خلفية حادث فردي لم يشاركوا به. لا بل يدينونه. قال لـ"المدن": "هربت بعائلتي إلى طرابلس خوفًا من العنف الذي تعرضنا له، لدرجة أن ابنتي صارت عاجزة عن النطق لساعات طويلة، من شدة الرعب الذي تعرضت له إثر الهجوم علينا وطرق أبوابنا بقوة، لطردنا بالقوة. كما استخدموا بحقنا اقسى العبارات والشتائم".  

200 عائلة والمفوضية لا تردّ
من جهته، يقف اللاجئ السوري سعيد الهليل غاضبًا، وهو يعيش في بشري منذ 11 عاماً، وأكد لـ"المدن" تعرضه للاعتداء المباشر مع زوجته، التي لم تسلم من الضرب، وطفله الصغير البالغ عامين ونصف الذي كسرت قدمه ويده. وشكى قائلًا: "لقد هربنا من دون أخذ شيء من أغراضنا. لم نفكر في تلك اللحظة إلا بأرواحنا وأن نبقى أحياء، بعد أن جرى تهديدنا بالقتل، ولا يمكن أن نتجرأ على العودة إلى بشري، التي قضينا فيها سنوات طويلة بين أهلها من دون ضربة كف".  

في هذا الوقت، أكد عدد من اللاجئين السوريين الهاربين لـ"المدن" أن ثمة عائلات في بشري تتواصل معهم، وتعبر عن تضامنها معهم، وتدعوهم للعودة إلى منازلهم، مستنكرةً ما تعرضوا له.
وحسب المعطيات، فقد هرب من بشري إلى طرابلس أكثر من 200 عائلة، بعضهم التجأ إلى المساجد، وبعضهم هرب إلى أماكن أحد أقاربه، وبعضهم الآخر يفترش الصالات الفارغة، فيما تشير معلومات "المدن" أن التحقيقات ما زالت مستمرة مع العامل السوري المتهم بالقتل، بعد أن تبين أن ثمة احتمالاً أن يكون السلاح ليس عائدا له، وإنما للقتيل جوزيف طوق نفسه.  

هذا، وحاولت "المدن" مراراً التواصل مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة بطرابلس، للاستفسار عن التدابير التي يمكن اتخاذها لإيواء هذه العائلات ومساعدتها.. من دون جدوى. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024