قانون العفو العام تناهشته أسنان الطوائف وأنيابها

جنى الدهيبي

الأربعاء 2020/09/30

مرّة جديدة، يدخل ملف قانون العفو العام في مهبّ التأجيل، نتيجة عدم توافق الكتل النيابية حوله. أمّا ضحية هذا التأجيل المستمر، فهم ذوو أهالي السجناء والموقوفين، من مختلف الطوائف، الذين يرضخون منذ سنوات لاستثمار القوى السياسية في ملفات أبنائهم، إما انتخابياً وإما في زمن فتك فيروس "كورونا" بالسجناء، ليثبت أن لا توافق مأمولاً حول ملف العفو العام.  

لذا، تتكثف الأسئلة المشروعة ومن بينها: لماذا الإصرار على طرح "قانون العفو" بصيغة لا توفر أرضية مشتركة بين مختلف الكتل النيابية، التي يسعى كل منها لتجيير هذا القانون لمصلحتها؟ لماذا لا يجري البحث في خيارات أخرى والإسراع في المحاكمات العادلة كحل قانوني أمثل؟ ولماذا لا يجري اقتراح قوانين فعالة حول تأهيل السجون والسجناء الذين يعيشون في ظروف لا ترقى لأدنى المقومات الإنسانية؟  

بعد نهار طويل من المباحثات اليوم الأربعاء 30 أيلول، رفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجلسة التشريعية المسائية، بعد انتظار لاستئنافها لأكثر من ثلث ساعة، لم يتأمن فيها النصاب، وحدد موعداً لجلسة تشريعية جديدة في 20 تشرين الأول، وقال برّي: "آسف للمنحى الذي نسير به جميعاً، ونخشى أن نصل إلى مكان نقول فيه للسجناء نحن لا نستطيع ان نطببكم".  

وأوضح بري أنه "يوجد 237 حالة كورونا في سجن زحلة. وفي سجن روميه، أصبحوا كثر، وهو يتسع لـ1200 شخص وينامون في الأروقة، واقتراح قانون العفو العام ليس قرآنا أو انجيلاً مقدساً، وأخشى ما أخشاه، أنه من أصل 900 سرير للحالات الطارئة، هناك 100 إلى 150 سريراً، لذلك صبرنا وألفنا لجنة وعملوا، وهناك المادة 9 في الاقتراح غير متفق عليها". وأشار بري أن الجلسة المقبلة ستكون في 20 تشرين الأول، وإن أي اقتراح تستطيع لجنة العفو برئاسة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي أن تصل إلى نتيجة، ولو قبل ذلك فـ"أنا مستعد أن أعقد جلسة قبل هذا التاريخ".  

ولم يكتمل نصاب جلسة الأربعاء المسائية نتيجة غياب معظم الكتل النيابية، وفي طليعتها كتل "المستقبل" و"لبنان القوي" و"الجمهورية القوية". وكانت رئيسة كتلة المستقبل النائب بهية الحريري سبق وأوضحت سبب غياب كتلتها عن جلسة العفو، باعتبار أن "الصيغة المقدمة لا تحقق مطلبنا ومطلب الأهالي برفع المظلومية والإجحاف الذي لحق بعدد كبير من الموقوفين"، مقابل تمسك الكتلة أن "يلحظ قانون العفو بند تخفيض العقوبات بالصيغة التي تقدمنا بها".  

وفور رفع الجلسة، قال النائب غازي زعيتر أن كل الكتل رفضت إقرار قانون العفو "ما عدا "لبنان الضعيف" الممثل بالثنائي الوطني"، مشيراً أننا "أمام فضيحة قانونيّة لها علاقة بمئات الموقوفين التي تتأخر محاكمتهم لأسباب غير موضوعيّة". أما النائب علي حسن خليل، فأشار أن قانون العفو العام مستثنى منه الجرائم المرتكبة بحق الجيش والإرهاب الداخلي والخارجي و"كنّا مستعدّين للتعاطي مع النقاش بطريقة إيجابيّة. وما من قانون مثالي، ولكن يجب أن يراعي الأوضاع التي تواجهنا على الأرض لا سيّما موضوع كورونا".  

غضب داخل وخارج السجون  
وعلى وقع استنفار الأهالي لغضبهم في عدد من المناطق اللبنانية، سواء في بيروت أو في طرابلس، وقطعهم الطرقات للمطالبة بإقرار قانون العفو، جاء المشهد الصادم من مبنى المحكومين في سجن رومية، إذ انتشر فيديو يظهر أن عدداً منهم علّقوا مشانقهم وهددوا بالإنتحار في حال لم يتم إقرار قانون العفو. وحسب معلومات "المدن"، فإنّ قوّة من مكافحة الشغب عادت ودخلت مبنى المحكومين لضبط الوضع بين السجناء.  

أمّا في المبنى "ب" حيث الغالبية الساحقة للموقوفين الإسلاميين والمتهمين بملفات الإرهاب، فتشير مصادر "المدن" إلى أن طوال نهار الأربعاء سادت حالة من الترقب، وأن السجناء كانوا يعلقون أملهم على اتفاق ينضج باللحظات الأخيرة، إثر الاجتماع الذي جمع اللجان بين جلستي الظهر والمساء. وبعد أن انتشر خبر عدم اكتمال نصاب الجلسة، تشير المصادر أن حالة من الصدمة سادت بين السجناء، في وقت يدركون مدى التداعيات السلبية على مصيرهم بعد حوادث الخلية الإرهابية في بكفتون وجبل البداوي ووادي خالد.  

مواقف من العفو  
وفي السياق، يشير عضو المكتب السياسي في التيار الوطني الحر وليد الأشقر لـ"المدن" أن موقف التيار كان وما زال واضحاً من العفو، ولم يتغير منذ سنوات. وقال أن تداعيات انتشار فيروس "كورونا" والتأخر في المحاكمات لها أثرها، "لكن لا أحد يضمن أن يخرج الجميع دفعة واحدة، لا سيما أن أمثال شادي المولولي وخالد التلاوي وغيرهما سبق أن خرجوا بدعم سياسي فكانت نتائج إرهابهم كارثية".  

ودعا الأشقر باسم التيار إلى الإسراع في المحاكمات، وشدد على رفض منطق فرز السجناء وفق معادلة طائفية مفادها: متهمو المخدرات للشيعة، العملاء للمسيحيين والإرهارب للسنّة. وتابع: "خوفنا من الإرهاب مع ذلك لم يتوقف يوماً، وهذه مسؤولية الأجهزة الأمنية، ولا يمكن التهاون في هذا الملف بعد ملفات الشمال الأخيرة".  

من جهته، يعتبر محامي الموقوفين الإسلاميين محمد صبلوح أن الخشية الأكبر لدى أهاليهم هو من عقد اتفاق سياسي حول قانون العفو من دون أن يشمل أبنائهم "لذا طالبنا الرئيس سعد الحريري وتمنينا على كل الكتل السنية بعدم التصويت على قانون لا ينصفهم، ومنعا لتأمين أي ميثاقية لهم". وقال صبلوح لـ"المدن": "لم يبقَ من الإسلاميين في السجن أكثر من 820 سجيناً، وهم يخرجون على دفعات بعد إنهاء محكومياتهم، ونرى أن ثمة توقيت مشبوه لوضع قانون العفو على طاولة البرلمان بعد أحداث الشمال الأخيرة، التي سيدفع ثمنها معظم السجناء المتروكين من دون محاكمات". لذا، "نفضل المطالبة بالمحاكمات العدالة والقبول بنتائجها بدل الذهاب إلى قانون عفو سيصدر هجيناً وغير منصف".  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024