اغتصب بناته وباع إحداهن.. والقانون يتساهل!

فاطمة حيدر

الأربعاء 2019/09/04
بعد سنوات قليلة يخرج من السجن وحش بشري كان قد أقام طوال سنوات علاقة جنسية كاملة مع اثنتين من بناته القاصرات، عدا عن التحرش باثنتين أخريين، وبيعه إحداهن (الكبرى) لرجل خليجي مقابل 12 مليون ليرة لبنانية.

ما اقترفه "الأب" جريمة مزدوجة: سفاح قربى أو زنى محارم، وإتجار بالبشر. لكن هذا كله لم يكن كافياً لسجنه سنوات طويلة. فهو سيخرج حراً طليقاً لان قانون العقوبات اللبناني ينصّ على أن المدة الأطول للمغتصب هي 7 سنوات، علما أن السنة الجرمية 9 أشهر فقط. أما جراح الفتيات فلن تندمل.

وقائع صادمة
حصلت "المدن" على نسخة من القرار الظني للجريمة، الذي ورد فيه أنه بتاريخ 18-1-2018 انتشر خبر عبر مواقع التوصل الاجتماعي مفاده أن المدعى عليه "ع.ع.ع" المقيم في محلة برقايل اغتصب بناته، ما أثار بلبلة في البلدة، وبينت التحقيقات أن المدعية "ف.ع" أدلت في ادعائها أن والدها يتحرش بها جنسياً منذ الرابعة عشرة، إلى أن فضّ بكارتها واضعاً يده على فمها، وواصل ممارسة الجنس معها يومين إسبوعياً على مدى سنوات سبع، في المنزل.
الفتاة أعلمت أمها، زوجته، بالأمر، فلم تمنعه. وذكرت "ف.ع" أن والدها باعها من رجل سعودي، فأخذها إلى السعودية بحجة مناسك العمرة ليتركها هناك. وقام والدها ببيعها الى "ف.ج" لقاء 12 مليون ليرة لبنانية، فبقيت في السعودية لممارسة الجنس مع شاريها. أما الابنة الأخرى "آ.ع" فأدلت أن والدها اغتصبها في السابعة عشرة من عمرها بعلم والدتها.

وبينت التحقيقات أن "ع.ع.ع" عمد الى التحرش بإبنتيه القاصرتين "أ.ع" (13 عاماً) و "س.ع" (11 عاماً). واعترف المدعى عليه بما أسند اليه في التحقيقات الأولية، وأنكر تحرشه بالقاصرتين في التحقيقات الاستنطاقية، وقال إنه زوّج ابنته "ف.ع" حين بلغت سن الرشد. أما الوالدة، فاعترفت بما جرى، مضيفة أن زوجها قال لها إن أحدهم يأتيه في المنام ويحثه على ممارسة الجنس مع بناته كي يرزقه الله.
بناءً عليه أصدرت قاضي التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار قراراً ظنياً في حق المتهم، وطلبت اعتبار أن فعلة الأب تنطبق عليها جرائم المواد 503 إلى 511 من قانون العقوبات، وتصل عقوبتها إلى السجن مدة سبع سنوات مع الأشغال الشاقة، والمادة 586 منه، فيما ينطبق على الوالدة جرم التدخل في المواد المذكورة.

المؤبد له والحياة لها
استنكرت جمعيات حقوق الإنسان والجمعيات النسائية هذا القرار الظني الصادر قبل أيام، معتبرةً أنه مجحف في حق الضحايا والمجتمع كله. وخصوصاً أن الوالد لم يقترف جرم الاغتصاب فقط، بل استغل بناته بتزويجهنّ مقابل بدل مالي. وتحدثت منسّقة البرنامج الاجتماعي في جمعية "أبعاد" راغدة غملوش عن العقوبة المنصفة والعادلة للضحايا: المؤبد حداً أدنى. وحذرت من خرق مواد النصوص القانونية والحكم على الأب بأقل مدة ممكنة.
هذه القضية ومثيلاتها، هي مطلب ملح للجمعية في حملتها "المؤبد له والحياة لها"، والداعية إلى تعديل الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات، والمطالبة بالمؤبد للمغتصب في حال "الاغتصاب السفاحي".
عن دور الجمعية في حماية الفتيات - وخصوصاً أن لا مراكز في السجون لتأهيل المغتصب - تقول غملوش: "لدينا جملة من الخدمات للضحايا، منها إيواء آمن أو مرافقة قضائية أو تأمين طبيب شرعي أو نفسي لهنّ. فالخدمات متاحة حسب حاجه الضحية، وهي مجانية". وتضيف: "أثناء تنفيذ الحكم يكون السجين خلف القضبان، فتظل العائلة آمنة في البيت، إلا في حال طلب العائلة االحماية من أمر ما. أما المخيف فهو ما بعد انتهاء مدة العقوبة.إذ لا آلية في القانون تحمي الضحايا بعد خروج الجاني من السجن. ولا يمكن تقديم شكوى أو أي مراجعة  قضائية، طالما ليس من فعل". وتساءلت: "لكن ماذا عن التهديد النفسي للمعتدى عليهن أثناء وجوده معهنّ وجهاً لوجه في البيت، بعد خروجه من السجن؟".

العقوبة الأقصى
قانونياً، كيف يمكن تقييم هذا القرار؟ مديرة مركز الدفاع عن الحقوق والحريات المدنية المحامية ديالا شحادة، علقت على القرار الظني في حديثها إلى "المدن"، أن المادة 586 في القرار هي تلك التي عُدلت حسب قانون معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص، الصادر عن مجلس النواب عام 2011. وهو قانون دخلت عليه فقرات إضافية من بينها فقرة تُعاقب الشخص المدان بالجريمة 15 عاماً سجناً في حال كان هناك أكثر من مجني عليه، أما في القضية المذكورة، فالاتجار يقتصر على فتاة واحدة، ما يعني أن العقوبة التي تنطبق عليه هي 10 سنوات.
وترى شحادة أن القرار ممتاز لأنه طبّق جميع مواد قانون العقوبات والمادة 568 منه، كما عُدلت وليس كما كانت في السابق. واعتبرت القاضية أن الوالدة متدخلة وموافقة وداعمة معنوياً للوالد. والمتدخل في هذه الجرائم تصل عقوبته الى عقوبة مرتكب مثل هذه الجرائم حسب دوره.
وكيف يمكن تعديل المواد في قانون العقوبات في ما يخص أحكام جرائم الاغتصاب والإتجار بالبشر؟ تشير المحامية شحادة إلى أن "تشديد العقوبة هو قرار قاضية الجنايات"، منوهة بأمر هام، وهو أن الحكم المتداول ليس صحيحاً، فقاضي التحقيق لا يحدد العقوبة، بل مهمته تقتصر على الاتهام فقط. والقرار الظني يحوي فقط المواد الجرمية، وهنا تقع المسؤولية على عاتق ناقل الخبر. إذا يمكن أن يكون قد قام باجتهادات فردية بالنظر الى قانون العقوبات وتفسير المواد وإصدار الحكم مسبقاً.

إذاً، ليس هناك سوى حل واحد قانوني، في حال أرادت الفتيات الضحايا معاقبة والدهن وزجه في السجن أطول مدة ممكنة. الخطوة الأهم هي أن تقدم كل ضحية على الادعاء الفردي ضد والدها، وليس الفتاة الكبرى فقط. وفي هذه الحال يمكن القاضي أن يعتبر وجود أكثر من فعل وأكثر من دعوى، فيستطيع أن يقرر عدم إدغام الأفعال وجمع العقوبات لتطبيق العقوبة الأشد، وخصوصاً أن تكرار الفعل الجرمي في هذه القضية استمر مدة سبع سنوات. أما في حال كون إحدى الفتيات ما زالت قاصراً، فباستطاعة الفتاة الكبرى أن تستحصل على إذن من المحكمة الشرعية، كي يكون لديها وصية موقتة على أختها القاصر تخولها أن تدّعي بإسمها. وهنا يمكن أن تصل العقوبة إلى 40 عاماً وما فوق، إذ يعاقب المتهم عن كل دعوى لوحدها.

ختاماً، النقطة الأهم في هذه القضية، هي أنها تضيء من جديد على أهمية تعديل قوانين ومواد قانونية مجحفة في حق المرأة والأطفال وحقوق الإنسان عامة. وقد يكون مسار الصراع طويل وصعب لنيل المراد. لكن عدم خوض المعركة استسلام قاتل، وخصوصا أن هناك امرأة من كل أربع نساء في لبنان تبلّغ عن تعرضها لاعتداء جنسي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024