الجامعة الأميركية تؤسس صفاً لمساعدة اللاجئين السوريين

علي زين الدين

الثلاثاء 2019/01/29

في نسخته الثالثة، انطلق بداية الشهر الحالي صف "الهندسة الإنسانية"، في الجامعة الأميركية ببيروت، الذي امتد لعشرين يوماً تقريباً. ويُعنى هذا الصف بشؤون اللاجئين السوريين، من الناحية الصحية. والاهتمام بالجانب الصحي للاجئين، في هذا الصف، يأتي في اطار أوسع، يشمل التعليم، المياه، التلوث وغيرها.

تضافر الاختصاصات
"بالرغم من أنه يسمى صف الهندسة الإنسانية، لكنه ليس محصوراً بالمهندسين فقط، بل المقصود هنا هو الهندسة بالمعنى الواسع. إذ ان الكثير من المشاركين هم من مختلف المجالات والاختصاصات، والمشاريع. والحلول المرجوة للمشكلات التي تواجه اللاجئين ممكن أن تكون سياسية، أو برنامجاً تدريبياً، أو حملة توعية"، يقول الدكتور عماد الحاج. ويضيف: "ليس هناك جواب واحد، حول طبيعة الحلول أو المشاريع المقترحة. فالهدف الأساسي هو تحديد المشكلة ومقاربتها من مختلف الزوايا. وهذا الصف يغير منظور المشاركين فيه في العديد من الأمور".

ينقسم المشاركون في الصف إلى مجموعات، تتألف من طلاب من مختلف الاختصاصات و المجالات. ثم يأخذ الصف تسلسلاً مميزاً، تبدأ بالمحاضرات التي يقدمها أكثر من بروفسور، في مجالات عديدة مثل الصحة، الهندسة وغيرها. وبالإضافة إلى المحاضرات، ودعم المختصين في منهجية العمل، المحددة لهذا الصف، والتي تبدأ أولاً بتعليم الطلاب كيفية تحديد المشاكل، من ثم الانتقال إلى الزيارات الميدانية، وشرح الخطوات المتعلقة بكيفية إيجاد الحلول. عندئذ، يتم اختراع نماذج من كل فريق لهذه الحلول المتعلقة بالصعوبات التي يتعرض لها اللاجئون. وأخيراً، تقوم لجنة مؤلفة من خبراء و مختصين في موضوع اللاجئين وقطاعات ومنظمات مختلفة مثل الإسكوا، وكالات الأمم المتحدة، شركة باريتك، وBDD  لتقييم نجاح النموذج، وقابلية تطبيقه.

مشاريع عملية   
بعد زيارة مخيم اللاجئين في عنجر، والتحدث مع رئيس البلدية والمسؤول عن المخيم وبعض اللاجئين هناك، تمكن فريق دفيني- كيت (Daffini-kit) من تحديد المشاكل التي يعانون منها، واقتراح حلول لها، بمساعدة من مستشارين، هما دكتور من كلية الصحة وآخر من كلية الهندسة. قرر الفريق أن يتناول موضوع التدفئة، خصوصاً أن هذا الموضوع له أثر كبير على صحة اللاجئين في المخيمات. فأساليب التدفئة، غالباً "الصوبيا"، غير كافية، نسبةً لتواجد اللاجئين داخل خيم، خصوصاً أثناء العواصف القاسية، التي مرت على لبنان.

قام الفريق بابتكار نظام تدفئة فعال بوجود "الصوبيا"، واقترح في نموذجه تمرير سلك نحاسي في داخون "الصوبيا" لتمرير الحرارة فيه، من ثم يتم توصيله بسلك من السليكون وتمرير هذا السلك بلوح من ستايروفوم (Styrofoam)، وهي مادة تحفظ الحرارة. بعدها يتم وضع هذا اللوح تحت السجاد ويتم تعبئة سلك السليكون بالمياه لتسخينها، وبالتالي تعمّ التدفئة المكان. وللحصول على حلقة حرارة مغلقة، يتم تركيب مضخة وتوصيل سلك السليكون بالجهة الأخرى من سلك النحاس. وقد لقي هذا المشروع إجماع من الحكام، نظراً لبساطته من جهة، وفعاليته من جهة أخرى.

"إنه أكثر الصفوف أهمية في الجامعة، بل أكثرها إفادة، لأنني استطعت العمل إلى جانب فريق مؤلف من أشخاص مختلفي الاختصاص، ومجال العمل، والعمر، والجنسية"، تقول اناستازيا بسترس، طالبة هندسة مدنية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو الفريق الفائز. وتضيف: "المميز أيضاً في هذه التجربة تواجدنا على الأرض، في المخيمات، ما جعلنا نقارب الموضوع من منظور مختلف".

يلعب القيمون على هذا الصف دوراً أساسياً في إرشاد الطلاب المشاركين، وفي كيفية تطوير مشاريعهم والارتقاء بها وتحسين تطبيقها. فيؤمنون لهم المعلومات، العلاقات، والإرشادات اللازمة لتأمين أي دعم أو رعاية مادية لمشاريعهم، التي بدأوا بها في الصف.

كان اطلاق هذه النسخة من الصف، بالتعاون بين كلية الصحة وكلية الهندسة في الجامعة الأميركية ببيروت، وبالتعاون مع الدكتور محمد زمان من جامعة بوسطن وجمعية "بيوند" (Beyond)، التي سهلت الكثير من العملية، خصوصاً الزيارات الميدانية للمخيمات. وأتى هذا الصف بإطار مبادرة من كل من الدكتور عماد الحاج، الدكتورة آلين جرماني، الدكتورة هالا غطاس، والدكتور زاهر ضاوي، بالإضافة إلى جهود حوالى ثلاثين أستاذاً من الكليتين.

ويتم تحسين منهاج الصف في كل مرة. لكن الهدف الأساسي يبقى ذاته، وهو الخدمة الاجتماعية من خلال العمل مع الجهات المعنية أكانت حكومية أو جمعيات أهلية أو مؤسسات مدنية..

الجامعة وأدوارها
ليست هذه المبادرة الأولى من نوعها، في موضوع اللاجئين السوريين بشكل خاص، وتأثير الأزمة السورية على المواطنين السوريين بشكل عام. فمنذ بدء الأزمة والجامعة الأميركية تلعب دوراً مميزاً عبر مشاريع تعنى بمساعدة اللاجئين، أو من خلال إجراء دراسات موضوعية وعلمية في موضوع اللاجئين والمشاكل التي يعانون منها.

"عند بدء أزمة اللجوء السوري، استفادت الجامعة الأميركية عند تعاملها مع الموضوع من خبرتها في هذا المجال، منذ تجربة اللاجئين الفلسطينيين المديدة. وبالرغم من وجود بعض الثغرات، لخصوصية اللجوء السوري الذي جرى بأعداد كبيرة، في فترة زمنية قصيرة، لكن سرعان ما بدأت هذه الثغرة بالتقلص مع الوقت"، يقول الدكتور في كلية الصحة في الجامعة الأميركية، محمد فؤاد. ويضيف: "نشرت أقسام عديدة في الجامعة الكثير من الدراسات والأبحاث. على سبيل المثال، نشر معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية دراسات عديدة عن تأثير الأزمة على اللاجئين، وعالجت موضوعات مهمة مثل المأوى، بالإضافة الى حقائق إيجابية حول موضوع اللاجئين، كما في تضخيم تأثيرهم على لبنان. كما أنه، في إطار التعاون بين كلية الصحة في الجامعة و مجلة لانست (Lancet)، أهم مجلة في مجال الصحة، تم نشر عدد خاص بسوريا. وركز العدد على موضوع الصحة في الحروب و النزاعات المسلحة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024