أطفال الشوارع في زمن كورونا.. ماذا نفعل لهم؟

نادر فوز

السبت 2021/01/16
لا يمكن إخفاء وجه هذه الصغيرة في الصورة، ولو كان ذلك منافياً للأخلاق المهنية. فكل الموضوع عن وجودها في الشارع، عن حالها، عن توسّلها، عن تسوّلها، عن نظرتها، عن عينيها. في الصورة نفسها، هي خارج تركيز العدسة. لها الهامش ولو بعيداً، كما حال يومياتها وحياتها أساساً. تلعب على هامش الاهتمام العام واليوميات العامة، وتدور فيه. هم متسوّلون، عرب، بدو، نوَر، سوريون، وتعريفات ذمّ اجتماعي مقصودة عن جهل تام. هم فقراء، بلا أوراق ولا عناوين ولا منازل. ضحايا. هم لا شيء. غير مرئيين في يومياتنا العادية. هم كل شيء في أيام الحجر ومنع التجوّل لأنّهم الوحيدون الذين لم يتركوا الشارع.

ابن شارع
انسحبت الناس من الشارع، بقرار إقفال تام. "خلّيكم بالبيت"، قال المسؤولون. بقيت الفتاة، وعائلتها وأصدقاؤها، في الشارع. ظلّوا حيث هم. هذا بيتهم، وهنا يحجرون أنفسهم. ابن الشارع، بالمعنى الحرفي، يعود إلى بيته، في الشارع، في الفضاء العام. هذا منزله المفتوح، ينحجر فيه تأبياً من كورونا على أرصفة العراء وعند إشارات مرور وزوايا المستديرات.

500
في الصورة، عناصر من قوى الأمن الداخلي تدقّق في أوراق وتراخيص سائقي السيارات. نصبت حاجزاً على الطريق العام، وأوقفت السيارات تسأل أصحابها عن أسباب التجوّل. وفي الخلفية مشرّدون ومتسوّلون يرون في الحاجز الأمني فرصةً للتجوّل بين زحمة سيارات عرضية في أيام الإقفال العام. يسألون عن "500". 500 ليرة، قطعة نقدية معدنية نسيناها. افتقدناها في جيوبنا منذ قرابة العام، لكنها مطلب ودافع للتسوّل.

حاضنو العدوى
من سيارة لأخرى، ومن طرد لآخر بإشارة يد، يمضي المتسوّلون أيامهم في الإقفال العام. إن كانوا في الأيام الطبيعية فيروساً اجتماعياً يشكو منه البعض، فهم اليوم يشكّلون فعلياً منطقة حضانة محتملة للمرض. لا يتركون زجاج سيارة إلا ويقرعون عليه، لا يدعون أحد يمرّ من دون الاقتراب منه. يطلّون عند إشارة المرور فنهرع إلى إقفال نوافذنا. الناس تهرب منهم. نتركهم خارجاً بما فيهم وما معهم وما لهم وما عليهم، بحساسية أكبر في زمن الوباء. يعيشون في خطر العدوى المهول عرضةً له ولفتكه. وقد يكونوا من حاضني الفيروس وناقليه، كما نحن جميعاً.

الهامش الكبير
يعرفون كورونا أو لا يفقهون فيه شيئاً، لم يسألهم أحد عن ذلك أساساً. هم في الهامش، ويبقون فيه. كل ما يريدونه أن تعود الحياة إلى طبيعتها، حتى تعود يومياتهم إلى بؤسها المعتاد. لم تنظر إليهم الدولة، ولا الناس المحجورة في المنازل. لم يخطر في بال أي من العناصر الأمنية المنتشرة، مشكورةً، لضمان تنفيذ الإقفال واستثناءاته، التبليغ عن أطفال الشوارع. فهم متروكون في هامشهم الكبير. حتى لو توجّه عنصر أمني إليهم وقال لهم اذهبوا إلى بيتكم، سيبقون هنا، حيث هم ينتظرون مشغلّهم الذي لم تمسكه الدولة بعد.

ماذا لو؟
ماذا لو أصيب أحد هؤلاء بالفيروس في الظروف اليومية والصحية البائسة التي تغمره؟ ماذا لو نقل العدوى إلى كل عابر في سبيله، ومعهم رجال الأمن المنتشرين في الشارع؟ ماذا لو صحى اللبنانيون، في أحد الأيام المقبلة، ليجدوا أنّ عائلة من سبعة أشخاص قتلى على رصيف شارع بسبب كورونا؟ ماذا لو تأوه أحدهم طلباً للأوكسجين وهو في الهواء الطلق يملك كل هواء المدينة ونفَسها؟ ماذا لو احتاجوا دخول المستشفيات؟

توقيف أطفال الشوارع ونقلهم من حيث هم جريمة، لأنّ لا بديل لهم غير الشارع لغياب مؤسسات الرعاية في الدولة الفاشلة. وتركهم في حال سبيلهم، في الفقر والتسوّل والمخاطر الصحية، جريمة أخرى ضد الإنسانية والأخلاق. وهم باقون في شقائهم إلى ما لا يعلمون، وإلى ما لا نعلم. لا يدركون حجم بؤسهم لأنهم لم يخرجوا منه يوماً. يظنّون أنهم يعيشون حياةً طبيعية. وعلى الحياة هذه، وتلك، أن تستمرّ.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024