اعتصام ضد محاكم التفتيش وذئابها التي تلاحق "مشروع ليلى"

وليد حسين

الثلاثاء 2019/07/30
"مع ليلى وضد الذئب"، و"إذا خايف عإيمانك من غنيّة، راجع إيمانك مش الغنيّة". هي لافتات بسيطة كتبها بعض الناشطين في المجتمع المدني، الذين تجمّعوا في ساحة سمير قصير، يوم الإثنين في 29 تمّوز، رفضاً للحملة التي تتعرض لها فرقة "مشروع ليلى" لمنعها من تنظيم عرضها الغنائي في مهرجانات جبيل الدولية في 9 آب المقبل.

ضد محاكم التفتيش
هي وقفة تضامنية أتت تحت عنوان "ضد محاكم التفتيش"، بدعوة فردية من الناشطة ماري جوزيه قزي، على مواقع التواصل الاجتماعي، لرفض "سطوة السلطات الدينية على الأفراد وعلى مؤسسات الدولة والقضاء" و"لرفض المساس بما تبقى من حرية رأي" في لبنان.

"مش رح نسكت مش حَ نفل، ضد القمع وضد الذل"، ردد نحو مئتي شخص حضروا هذا الاعتصام الرمزي في تلك الساحة، التي باتت ملاذاً للناشطين ضد قمع الحريات، الذي يتواتر ويتصاعد بشكل غير مسبوق في السنتين الفائتتين، تارة بحجج تناول شخصيات سياسية وطوراً بحجج المسّ بالشعائر والمعتقدات الدينية. واعتبرت قزي في كلمتها أن الحملة التي تتعرّض لها فرقة "مشروع ليلى" مُخجلة، مطالبة السلطات اللبنانية القيام بمسؤولياتها، وملاحقة كلّ من لفّق التهم وهدّد ونشر معلومات مغلوطة، وكلّ من قال عبارات تحضّ على العنف والمنع والقتل وهدر الدماء. كما طالبت الكنيسة ورجال الدين المسيحيين بوقف المهزلة الحاصلة باسم الدين.

إخبار ضد "المسيحي الديمقراطي"
وإذا كان هذا النوع من الاعتصامات المدنية لا يلقى تجاوباً شعبياً كثيفاً، قياساً بالمسيرات الطائفية التي شارك فيها مئات الأشخاص في شوارع جبيل، حاملين الصلبان، "بوجه شياطين الأرض"، فهذا لا يعفي السلطات اللبنانية من ملاحقة الذين يهددون السلم الأهلي جدّياً، خصوصاً بعد التهديدات التي تلقاها أعضاء الفرقة بهدر الدماء من أطراف عدّة. لكن وعوضاً عن استدعاء الذين هددوا بإلغاء الحفل بقوّة السلاح، وصل الأمر بالقوى الأمنية إلى حدّ استدعاء أعضاء "مشروع ليلى" للتحقيق معهم، وطلب المديرية العامة لأمن الدولة منهم إزالة التدوينات الواردة في صفحتهم في فايسبوك، على اعتبار أنها تمس بالمقدسات المسيحية.

وفي هذا الإطار لفت المحامي خالد مرعي، في حديث إلى "المدن "، أنه تقدم بإخبار للنيابة العامة يوم الإثنين في 29 تمّوز ضد شارل سركيس، رئيس "الحزب المسيحي الديمقراطي" (كأنه اسم على غير مسمّى: "ديموقراطي"؟) وأشخاص آخرين، مبرزاً وثائق ومستندات تظهر تهديدات واضحة منهم بارتكاب جنايات القتل. إذ صرّحوا بأنهم سيفجّرون الحفل الغنائي، وهددوا بإرسال أشخاص للتخريب ومنع الحفل بالقوة. بالتالي، على القضاء عدم التحجج أن ليس هناك إخباراً ضد أحد كي لا يتحرّك، كما قال مرعي.

أبواب الجحيم
في ظل هذا التحرك السلمي لرفض "تغوّل" السلطات الدينية على الحياة العامة والمدنية، تستمر التحركات "الأهلية" في مدنية جبيل، المناهضة للحريات العامة. فبعد المسيرة المسائية منذ يومين، والتي حطّت في كنيسة مار يعقوب، ولاقت ترحيب كاهن الرعية، كما أظهرت شرائط الفيديو التي بثّتها صفحة "القومية اللبنانية المسيحية" على فيسبوك، للمطالبة بإلغاء حفل مشروع ليلى، تتوالى الدعوات لمسيرة ثانية في 31 الجاري "لقرع الأجراس.. والصلاة والتبشير بيوم جديد". وأتى الإعلان الترويجي لهذه المسيرة تحت عنوان "إذا كان دفاعي عن معتقداتي وأخوتي بالمسيح تطرفاً فأنا متطرف وأفتخر بذلك". وأرفقوه بهاتشاغ "أذا ما التغى نحنا منلغي"، وكلام تهديدي مثل "أبواب الجحيم لن تقوى علينا. كونوا متحدين لمنع مشروع ليلى".

حرم كنسي على "ليلى"
طلب مشروع ليلى عملياً "المغفرة"، عندما أوضح على صفحته الرسمية على فيسبوك أن أغنياته "لا تسيئ إلى أحد بشيء ولا تنتقص من أي من القيم والأديان التي يُؤْمِن بها كل إنسان قويم"، مشيراً إلى إنه تمّ "تحريف كلام بعض أغنياتنا وفهمه بطريقة خاطئة بعيدة عن مضمونه". لكن وفق القيّمين على صفحة "القومية اللبنانية المسيحية" التي تروّج للمسيرات المناهضة، حتى لو غنّت "ليلى" "تك تك تك يا أم سليمان" ممنوع عليها الغناء في مهرجان جبيل.

وقد لاقى هذا الهذيان "الشعبي" الغيور على الدين استحسان السلطة الكنسية التي لم تمنح الفرقة "صكوك الغفران"، أذ كان من المفترض أن تعلن الفرقة اعتذارها الرسمي، كي يتمّ الموافقة على تنظيم الحفل. لكن اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام التي اجتمعت برئاسة المطران بولس مطر وحضور مطران جبيل والأب عبدو أبو كسم يوم الإثنين في 29 تمّوز، لاتخاذ موقف نهائي من حفل "مشروع ليلى"، رفضت المسّ بشعائر الكنيسة وايمان أبنائها، مطالبة المسؤولين والأجهزة المختصة باتخاذ الاجراءات اللازمة ووقف حفل مشروع ليلى في 9 آب. ما يعني أن "الحرم الكنسي" ألقي على دخول الفرقة إلى مهرجانات جبيل.

إلغاء الحفل؟
تتزامن غيرة بعض المؤمنين على الدين في ظل تصاعد الخطاب الطائفي التحريضي، المنساق خلف شعارات سياسية، حول الغبن واستعادة الدور والحقوق. وأمام "محاكم التفتيش" التي وصلت إلى ملاحقة فرق فنّية بذريعة "التجديف" والمس بالمشاعر الدينية، يتسابق المتطرفون المسيحيون مع أمثالهم من المسلمين حول من يستطيع عرض عضلاته أكثر في المنع والقمع وكم الأفواه.

وبعيداً من الشهرة الكبيرة التي حصدها "مشروع ليلى" بعد البلبلة وحملات التعصّب ضدها، ما زال أعضاء الفرقة يلتزمون الصمت، وقد يعقدون مؤتمراً صحافياً لإعلان موقف رسمي نهائي، يوم الخميس المقبل، وفق ما أكّدت مصادر متابعة لـ"المدن". وقد تلجأ إلى إلغاء الحفل. وإلى  ذلك الحين، تستمر إدارة مهرجانات جبيل في امتناعها عن التعليق. ولن يصدر عنها أي موقف رسمي قبل نهاية الأسبوع، كما قال المكتب الإعلامي لـ"المدن".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024