قطر بمونديالها أكثر من دولة غنيّة

سعيد غبريس

الجمعة 2022/05/13
قبل أن تفوز قطر بملف تنظيم مونديال 2022، استحقت الدوحة لقب عاصمة الرياضة العربية، وما لبثت أن أصبحت ضمن عواصم الرياضة العالمية، ولم يكن المونديال سوى تكريس لذلك. فقد دأبت على التصدي لتنظيم أحداث رياضية وبطولات عالمية رسمية وودية بصورة متواصلة، وأبرزها مونديال كرة اليد عام 2015، في صالات لوسيل، التي وصفت بالصرح العالمي لتضاهي "أسباير"، أكبر أكاديمية في العالم، والتي أصبحت قطر بفضلها قبلة المعسكرات للأندية العالمية الكبرى، وأبرزها بايرن ميونيخ الذي اقام معسكره الشتوي في رحابها أكثر من سبع سنوات متتالية. مما حدا بالمدرب الإيطالي العالمي كارلو أنشيلوتي القول: "هذا البلد العربي الخليجي مكان مثالي لكرة القدم".

وقبل تنظيم بطولة العالم للصالات المقفلة في ألعاب القوى 2010، كانت قطر قدّمت بصورة غير رسمية ملفاً مسبقاً يثبت جهوزيتها لتنظيم أكبر الأحداث الرياضية العالمية، باستضافة مونديال الشباب تحت 20 سنة في 1995، خلال فترة زمنية قياسية، بعدما اعتذرت نيجيريا عن تنظيم البطولة، بسبب مداهمة البلاد مرض السحايا. وقد أراد القطريون بهذا التحدي إثبات أنهم أكثر من دولة غنيّة.

ميسي تاريخي في الدوحة
وبعد عام نظمت قطر أكبر حدث رياضي آسيوي (الألعاب الآسيوية). وبعد عام من الظفر بتنظيم المونديال، أعطت نموذجاً ناجحاً في تنظيم البطولات (كأس آسيا للأمم في كرة القدم 2011)، ناهيك بلقاء البرازيل والأرجنتين عشية اختيار قطر للمونديال، الذي شهد حدثاً تاريخياً لأفضل لاعب في العالم، الأرجنتيني ليونيل ميسي، بتسجيله أول هدف له في مرمى البرازيل، وجاء في الوقت بدل الضائع، ليكون أول فوز لبلاده على راقصي السامبا منذ 5 سنوات.

العقل القطري الذي هزم الولايات المتحدة في مونديال 2022، أكمل سلسلة المباريات العالمية الترويجية باستضافة لقاء ريال مدريد-باريس سان جرمان، وبايرن ميونيخ-الأهلي المصري، والسوبر الإيطالي لأكثر من ثلاث مرات. وآخر هذه اللقاءات العالمية في الأسبوع الماضي، حين استضاف استاد أحمد بن علي المونديالي الذي افتتح في 18 كانون الأوّل/ديسمبر 2020، السوبر التركي بين بشتكتاش وانطاليا، وهي المرة الأولى تقام فيها المباراة خارج تركيا منذ 2008، بعدما كانت ألمانيا نظمتها ثلاث مرات. وكذلك استضاف الاستاد ذاته لقاء السوبر الإفريقي بين الأهلي المصري والرجاء البيضاوي المغربي.

سيتيح استاد أحمد بن علي لمنتخبين فرصة أوّل تدشين رسمي لملاعب المونديال في حزيران/يونيو المقبل، حيث تختتم التصفيات بمباراتي الملحقين (الإمارات-أستراليا وكوستاريكا-نيوزيلندا).

دولة قطر الفتيّة أقامت مشروعها المونديالي على بنى تحتية رياضية عالمية، قاعدتها منشآت عملاقة عالمية تخطت أو كادت كل الألعاب، أبرزها ماسترز السيدات في كرة المضرب والدورة الدولية السنوية في ألعاب القوى، وإحدى مراحل بطولة العالم للدراجات النارية "موتو جي. بي" على حلبة لوسيل، أوّل حلبة ليلية في العالم وفرت أضواء تفوق أشعة الشمس! وجولة من بطولة العالم للفورمولا واحد على الحلبة ذاتها.

زيدان يرد الجميل لقطر
لجنة ملف مونديال قطر برئاسة الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني، اختارت بعناية سفراءها في حملة الترويج، مثل الفرنسي زين الدين زيدان، الذي قال لجريدة "ليكيب" الفرنسية إنه أراد أن يرد الجميل لقطر، التي عرضت عليه اللعب فيها مقابل شيك أبيض، ولكنه فضّل البقاء في ريال مدريد.

ولم يغفل القطريون أسماء لاعبين عالميين كبار آخرين: الكاميروني روجيه ميلا، الأرجنتيني غابريال باتيستوتا، الهولندي رونالد دي بوير، والسعودي سامي الجابر، الذي كان أوّل هؤلاء السفراء. وهو من القلائل الذين شاركوا في كأس العالم أربع مرات متتالية، وكان بعد بيليه ومارادونا وزيلر ولاودروب، ضمن من سجلوا أهدافاً في نسختين يفصل بينهما 12 عاماً.

وهكذا تمرد أهل قطر على واقع الرقعة الجغرافية الضيقة والقلة في عدد السكان، فنقلوا بلادهم إلى الرحاب الأوسع وحملوها إلى العالم عبر نشاطات رياضية، بل ونقلوا العالم إليه. وكانت هذه الأحداث الرياضية العالمية الموجات الأولى التي مدّت البحر القطري إلى المحيطات كلها.
وهل هناك أوسع من محيط المونديال؟!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024