حراك العسكريين: نسوا مجلس النواب وتصادموا

وليد حسين

الثلاثاء 2019/07/16
تزامناً مع انعقاد الجلسة العامة للمجلس النيابي لمناقشة الموازنة العامة للعام 2019، تجمّع مئات العسكريين المتقاعدين، وأقفلوا الطريق المؤدّي إلى ساحة النجمة أمام ساحة سمير قصير في وسط بيروت، وسط توعّد "سلطة الحراميي" بالتصعيد، في حال أقرّت موازنة "العار" واقتطع من رواتب العسكريين المتقاعدين والموجودين في الخدمة الفعلية.
وكان العسكريون قد تداعوا إلى تنفيذ الاعتصام مساء الإثنين 15 تموز. وبينما عمد مناصرو العميد سامي الرماح وزملاؤه العمداء إلى نصب خيمة في ساحة الشهداء لتنفيذ الاعتصام يوم الثلاثاء في 16 تمّوز، دعت مجموعة تناصر العميد مارون خريش إلى التجمع أمام مبنى جريدة النهار، وسط انقسام العسكريين المتقاعدين. 

خلافات ووساطات
بدأ العسكريون بالتجمع منذ الساعة الثامنة صباحاً في مجموعتين، واحدة في ساحة الشهداء وأخرى بالقرب من ساحة سمير قصير.. بعد خلافات حصلت بين العمداء الذين يقودون حراك العسكريين على وسائل التواصل الاجتماعي. خلافات ظهرت واضحة وأدّت حتى إلى تضارب بين العسكريين المعتصمين في الساحتين، ودفعت أحد الزملاء الإعلاميين (نتحفظ عن ذكر وسيلته الإعلامية)، إلى السهو عن أداء واجبه المهني، وراح يعقد "الصلحة" بين أبناء الصف الواحد، كي لا يشاهد اللبنانيون الانقسام القائم عبر شاشات التلفزة، ويظهر كادر الصورة حاشداً لضرورة النقل المباشر، كما قال لهم. 
من ناحية ثانية بدت مخاوف القوى الأمنية من محاولة العسكريين المتقاعدين اقتحام المجلس النيابي واضحة (كانوا اقتحموا السرايا الحكومية قبل نحو شهرين)، حتى أن أحد ضباط الأمن الداخلي حضر لمحاورة أحد العمداء المتقاعدين أمام مبنى النهار وقال له ما معناه أن جنوده ليس لديهم حتى الماء ليشربوا، راجياً منه عدم إحداث حالات شغب. لكن أحد العسكريين المتحمسين صاح به: "عندما كنا نحمي هؤلاء الزعران (المسؤولين السياسيين) لم يكن لدينا لا أكل ولا مياه". بينما صرخ آخر "عنا حراميي ومافيات ونصابين وما عنا دولة... والأحزاب التي حاربت الجيش هي التي تحكم اليوم".

انقسام فوحدة
الانقسامات بين العسكريين بدت واضحة منذ الصباح. فبينما رفع أنصار العميد خريش المتجمعين أمام مبنى النهار، لافتة ضخمة تمجّد "أقوال" الأخير دفاعاً عن حقوق العسكريين، كان زملاؤهم في ساحة الشهداء يصدحون عبر مكبرات الصوت مردّدين "أقوال" العميد رماح. وفي التفاصيل كانت الأيام الفائتة قد شهدت خلافات بين الضباط وعمدوا إلى شتم بعضهم البعض على وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية تنظيم التحركات، كما قال بعض العسكريين.
حاول بعض الضباط والعسكريين إصلاح ذات البين بين العميد خريش وباقي الضباط المتجمعين في ساحة الشهداء وعمدوا إلى تشكيل وفود كانت تروح وتجيئ بين ساحة الشهداء ومبنى النهار. وبعد أخذ ورد وبلبلة تم إقناع العميد رماح بالانضمام إلى العسكريين المتجمعين أمام مبنى النهار، وحملوه على الأكتاف وتوجهوا لملاقاة زملائهم. وهذا ما أثار حفيظة العميد جورج نادر الذي رفض هذا الخيار صارخاً بالعسكريين الموالين له بالبقاء في ساحة الشهداء. حتى أن تضارباً ومشادة حصلت بين العسكريين الرافضين والمؤيدين لخيار الانضمام.
أمام هذا المشهد حاول أحد الضباط التوسّط مستعيباً هذا الانقسام الذي ظهر على جميع الوسائل الإعلامية، وقال ما مفاده أنّ هناك ضرورة للظهور كفريق موحد لتمرير هذا اليوم بسلام.
بعد الجلبة التي تخلّلها تدافع وتضارب وصراخ، استحلف العسكريون العميد نادر على "دماء الشهداء الشاهدين على صلحتهم ووحدتهم"، فرضخ لوساطات "الصلحة"، وانتهى الخلاف بحفلات "تبويس" بين زملاء "الصف الواحد" ووقفوا تحت العلم اللبناني الذي يجمع عليه الجميع. واندفع نادر إلى لعن السلطة التي تريد التفريق بينهم، معلناً اتفاق الجميع على الاعتصام أمام مبنى النهار.
وسط هذا الانقسام كان العسكريون قد بدأوا بتنظيم وتوزيع لافتاتهم على الحاضرين، تمهيداً  لرفعها بوجه النواب والحكومة. وكتبوا عليها "أتى زمن الحساب يا شباب"، و"خيانة الدم هي أكبر خيانة"، و"موازنة العار ستودي بالحكومة إلى النار"، و"الوطن براء من تجار السياسة"، و"ضرائبكم خوات بلا خدمات"، وغيرها من الشعارات.

إلى المجلس النيابي
راح العميد نادر يحمّس العسكريين للانتظام في صفوف شبيهة بصفوف القطاعات العسكرية معتبراً أن ما حصل في السابق نزاعات وخلافات بين الأخوة، والجميع موحّدين بوجه سلطة الميليشيات. ودعاهم إلى التقدم نحو مبنى النهار على وقع نشيد الجيش. واندفعوا إلى أمام السياج الحديد الذي وضعته فرق مكافحة الشغب، على وقع هتاف "كلن كلن حراميي".
بعض المتحمّسين كانوا مصرّين على اقتحام السياج للوصول إلى ساحة النجمة "لطرد النواب وإرسالهم إلى بيوتهم"، كما صرخ البعض. لكن قرار الاقتحام لم يكن معدّاً ما جعل الضباط يصرخون بضرورة التوقف وعدم المس بفرق مكافحة الشغب والاكتفاء بتوجيه الخطب الحماسية والتنديد بالمسؤولين. وتوعّدوا السلطة في حال تصويت المجلس النيابي على موازنة تطال بنودها حقوق العسكريين المتقاعدين ومن هم في الخدمة الفعلية. وأقسموا "بالله العظيم" ان لا يصوتوا لأي نائب في الانتخابات المقبلة في حال صوّت على اقتطاع جزء من راتب العسكريين.
عمد أحد معوّقي الجيش على حرق رجليه الاصطناعيتين، لينتهي نهار العسكريين بالعودة إلى منازلهم. وقال العميد خريش لـ"المدن" إن الاحتجاج انتهى اليوم كون المجلس النيابي لن يصوّت اليوم على الموازنة. فهذا الاعتصام الحاشد رسالة تحذيرية من مغبّة المس بمعاشات العسكريين. لكنهم سيستمرون في اعتصام مفتوح في الخيمة التي نصبوها في ساحة الشهداء لغاية يوم الخميس المقبل، الذي سيشهد تصعيداً كبيراً في حال أقرّت الموازنة من دون تعديل بنود التخفيضات التي تطال العسكريين. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024