مسارح الانتفاضة في وسط بيروت بأموال الناس وأوجاعهم

فاطمة حيدر

الأربعاء 2019/10/30

وفي اليوم الثالث عشر يُحسب للانتفاضة، بصمودها وصلابة موقفها، إرغامها الحكومة على الاستقالة، رغم محاولات حرف غضب الشعب واستيعابه، بتسطيح الثورة، ودخول أحزاب السلطة على خط تشتيتها، ومحاولة وضع العسكر في مواجهة الناس.

وقحة تلك السلطة في مطالبتها بفرصة للنهوض الاقتصادي والمعيشي وتحقيق المطالب، رغم سنوات مضت أثبتت أنها أدخلت البلد في ديون هائلة، وأزمات مستعصية، حتى بات الطحين والبنزين والدواء شبه مفقودة، وقبلها الدولار الذي اختفى فجأة من السوق النقدية؟!

وأوقح من السلطة هي أحزابها وأبواقها الإعلامية التي راحت ترمي تهم العمالة والتخوين و"تمويل السفارات" على كل نشاط يقوم به المنتفضون، كتوزيع الأطعمة والمياه أو إقامة المنصات والمسارح.

المسارح الثلاثة
على كل حال، ليست الكلمة فقط للشعب اليوم، بل الأرض أيضاً. "هيدا اسمو البلد مش سوليدير": تختصر هذه الكلمات المشهد في وسط بيروت الذي حولته ثورة 17 تشرين الأول مكاناً لتضامن الفئات كلها، وسوقاً للبلد والشعب، من دون تفضيل لفئة أو طبقة أو طائفة أو منطقة أو مذهب. لنشهد للمرة الأولى تعاوناً واضحاً بين ميسوري الحال والفقراء لدعم مسيرة الثورة، وكتابة لحظة تاريخية، وتأسيس تغيير شامل للطبقة السياسية المتحكمة منذ عقود.

مسارح ثلاثة تعود إلى ثلاث جهات في وسط بيروت: مسرح "حزب 7 " بشعاره "مقاومة مدنية"، ومسرح "الجيش" القريب من نصب قبضة اليد في وسط  ساحة الشهداء، وهو يعود إلى العسكريين المتقاعدين، ومسرح "ثائرون" القريب من تمثال رياض الصلح.

وفي بداية الثورة، انتشرت سيارات "بيك آب" مع مكبرات صوت تحفيزية، ليتولى الخطابة عليها شبان وفتيات مثقفون يرددون شعارات ومطالب الناس. بعد فترة انجرفت الخطابات قليلاً نحو الشتائم والسباب. ثم بدأت حفلات كرنفالية وعادت خطب الساحة إلى المطالب وعناوينها الرئيسية، قبل نشوء المسارح الكبرى.

مسرح الجيش - الشعب
عادل سرحان، المخرج اللبناني، يروي مشاهداته وانطباعاته ويقول: "مسرحنا هو مسرح الجيش، مؤلف من المجتمع المدني. ولا أنكر وجود بعض ميسوري الحال الذين يقومون بدور فعال باستئجار تجهيزات الصوت ومستلزمات المسرح. منبرنا واضح وهتافنا واضح: كلّن فاسدين.

في بدابة الثورة قامت شركة تدعى "Marina FX"  يملكها  حسين حسن بتجهيز مسرح الجيش. لكنه قرر تفكيك المسرح، بعد عجزهم عن تسديد مبلغ زهيد، حسب ما أكد لـ"المدن". مصادر أخرى تؤكد أن المبلغ هو حوالى 2000  دولار. ويقول حسن: "كنت أقبض يومياً من العسكريين المتقاعدين، ولكن نفذت الميزانية، لذا سأفكك المسرح وأرحل". وحسب حراس المسرح تعتني به اليوم شركة إيلي مدلج للإضاءة والصوتيات، كمبادرة دعم منها.

وفي هذا الصدد يقول العميد خليل الحلو: "المسرح منصة ليتحدث الناس عن وجعهم بالتنسيق مع حزب 7. وبعض التجهيزات تقدمة من أحد المحامين الأغنياء". وأشار الحلو إلى أن "حراك العسكريين مستمر منذ أربع سنوات في الشارع للمطالبة بحقوقنا التي أرادوا انتزاعها في الموازنات السابقة، ولكننا استطعنا منع الضرر عن 30 ألف عائلة، علماً أن الرواتب متدنية جداً".

هيئة تنسيق الثورة
نحو 30 هيئة أو أكثر تعمل على تنظيم الساحة، واتحدت تحت اسم "هيئة تنسيق الثورة". كل يوم صباحاً تعقد اجتماعات لتنسيق خطوات اليوم المقبل. ومنها "حزب سبعة" و"لحقي" و"أحرار النبطية"، وتطول اللائحة.

العميد أندريه بو معشر المتقاعد منذ 2012 ، يؤكد: "نحن حريصون على أن يخدم المسرح أهداف الثورة، ومطالب العسكريين القدامى".

مسرح ثائرون
مسرح "ثائرون" يتلقى مساعدات -  حسب المغترب مروان زيدان  - من مجموعة أصدقاء مغتربين في كندا، يحبون بلدهم الأم، ويشعرون أن من واجبهم تقديم العون إلى الثوار. وعن انتمائهم إلى الحزب القومي السوري، لا ينفي زيدان الأمر، ويوضح أن "بعض الأشخاص لديهم خلفيات حزبية قديمة، لكن هذا لا يعني أن المسرح تابع للحزب".

عن التكلفة يؤكد زيدان أن الصوتيات التابعة لشركة "أرزوني" تكلف 700 دولار في اليوم، عدا عن مستلزمات المسرح الأخرى، فيصل المبلغ إلى 2000 دولار تقريباً.

مسرح رياض الصلح
ساحة رياض الصلح مشتعلة، وتصدح فيها أغاني ثورية وموسيقى عالية تصل إلى مسامع المنتفضين الذين يرقصون على أوتار الوجع. السؤال: من يمول هذه الفانات وسيارات "البيك آب" في ساحة رياض الصلح؟ يرد صاحب إحدى هذه السيارات: "من قجة الشعب"، ويشرح: "نقوم بجمع المال منا، والكلفة لا تتجاوز 200 دولار يومياً. هناك أشخاص لديهم "فانات" يعرضون خدماتهم". أما عن الشعارات فتنصب على  أهداف ثلاثة: مصرف لبنان، مجلس النواب، والسرايا لحكومية، من دون تسميات. والتشديد على عدم التسمية فُرض بعد إشكال وقع بين المتظاهرين. 

أما مسرح "حزب 7"، فيكتفون بالقول "إنه مسرح الشعب". ويؤكد "حراس المسرح" على عدم تنظيم حفلات على منبر لكل الناس من دون هيكلية واضحة. والمسرح للمتظاهرين كلهم، يأتون من كل حدب وصوب ويعتلون المسرح: فرق موسيقية، أشخاص موهوبون، آخرون يريدون أن يعبروا عن وجعهم علناً وعفوياً.

ولادة ثورة
ولدت ثورة 17 تشرين من رحم أوجاع الناس وفساد متراكم على مدى أعوام، ودموع سالت على أبواب المستشفيات والمدارس ودور المسنين والمحاكم، وأبواب شركات التوظيف والبنوك والوزارات. قد تكون مطالب الشعب كثيرة، بحجم خيبة أمل الناس المتجذرة، وإخفاق الطبقة السياسية في تحقيق أي نمو اقتصادي أو إصلاح معيشي.

هي معركة قد تكون طويلة بين الشعب والسلطة. تحقق هدف أول باستقالة الحريري. وعن هذه الخطوة، أجمع المتظاهرون على أن الثورة بدأت اليوم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024