فلسطينيو لبنان يطالبون كندا: انقذونا من هذا البلد

أحمد الحاج علي

الأربعاء 2019/08/07

لاجئون فلسطينيون قدموا من كل المخيمات، وتجمّعوا أمام السفارة الكندية في منطقة جلّ الديب. رغم أن شعار الاعتصام هو "نعم للهجرة"، إلا أن مضمون لافتاتهم يقول إن حماستهم للطلاق من بلد عاشوا فيه وآباؤهم 72 عاماً، تتفوق على طلب ودّ بلد يُعتبر من الأكثر تسهيلاً للهجرة في العالم، والتي بدأ فلسطينيو لبنان بالهجرة الكثيفة إليه بعد عام 1982.

الهيئة الشبابية
صادف توقيت طلب الطلاق، الإعلان عن نتائج حملة تبرعات واسعة في قطاع غزة المحاصر والفقير لصالح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وكانت الضفة الغربية المحتلة، التي يُجزّئها حوالى 600 حاجز إسرائيلي، قد أعلنت خلال السنوات الماضية عن عدة مبادرات لدعم اللاجئين في لبنان، منها مبادرة إنشاء صندوق لدعم الطلاب الفلسطينيين في لبنان.

جاؤوا يحملون أعلام كندا التي أملوا "أن يعيش فيها أبناؤنا، حتى لا يكرروا التجربة نفسها التي عشناها خلال 72 عاماً"، كما تقول المذكرة التي سلّموها لممثلة عن السفارة الكندية. العنصر النسائي حاضر بكثافة. حوالى 800 شخص لم يرهبهم الحديث عن تساوقهم مع صفقة القرن ومخطط التهجير. أتوا بحافلات دفعوا ثمن إيجارها من جيوبهم، كما يقول رئيس الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني فتحي نجار، وهي الهيئة المنظّمة للاعتصام. لم تثنهم عن طلب الطلاق والهجرة الأخبار الواردة عن فلسطينيين عالقين في الأكوادور، كما يعتبرون أن مصير أصدقائهم الغرقى في البحر، وهم يعبرون نحو أوروبا، أفضل من مصيرهم في لبنان.

رفعوا لافتات تدين العنصرية، وتتحدث عن الحرمان من العمل والتملك والحقوق الإنسانية، وحتى أنهم طالبوا "بتسهيل الاندماج بالمجتمع الكندي لتأمين مستقبل أفضل". تنظيم دقيق، وانضباط. تساؤلات حول كيفية تأمين المبالغ للقدوم للاعتصام، وثمن اللافتات الكثيرة، يجيب نجار عليها في حديث لـ"المدن": "من كان يدفع 10 آلاف دولار لسمسار مثل الغلاييني مستعد لأن يدفع 50 دولاراً من أجل تأمين الضرورات لاعتصام كهذا. أنا خسرت جزءاً من مالي خلال الهجرة، ومستعد لأن أدفع مبلغاً بسيطاً لكي أهاجر بطريقة شرعية".

قبل عامين ونصف تقريباً انطلقت الهيئة من مخيم البداوي، واليوم لها 15 مندوباً في كل المخيمات والتجمعات. لا حاجة لإقناع الناس بالهجرة، فتجربة 72 عاماً كانت كافية، كما يقول هؤلاء. العناء كان دوماً في كيفية إقناع الجمهور الفلسطيني بأن التظاهر يمكن أن يدفع دولاً للقبول بأعداد كبيرة من اللاجئين، لكن نجار يردّ بأن عدد الفلسطينيين في لبنان ليس كبيراً نسبة إلى ما تستقبله كندا سنوياً من لاجئين.

"حياة أفضل"
هذه المرة حقق الداعون للاعتصام اختراقاً بالوعي الجماهيري حول أهمية التظاهر والاعتصام، ويضيف نجار "نأمل ونسعى أن يكون العدد أكبر في المرة المقبلة، خصوصاً بعد أن وصلتنا الأصداء الإيجابية بين الفلسطينيين حول تقييم تحركنا الأخير، والذي لا ننكر أن إجراءات وزارة العمل كان لها دور في الحشد". ويُخبر "المدن" أن "التظاهرة التالية ستكون أمام السفارة الأسترالية".

وحول الاتهامات من أن هناك تسهيلات من جهات رسمية لبنان، سمحت بالترخيص للاعتصام يرد نجار "لقد نلنا رخصة قبل سنوات، وأقمنا اعتصاماً يومها، لم يكن بالمستوى المأمول. اليوم كررنا التجربة، ونجحنا كلنا. لا تخوّنوا الجماهير الباحثة عما يحفظ لها كرامتها وحريتها في العمل والتنقل والتملك وغير ذلك. تصوّر أننا نصرخ في لبنان منذ 72 عاماً ولا أحد يسمعنا، وبمجرّد أننا تظاهرنا أمام السفارة الكندية، نزلت مندوبتان من السفارة، وألقيتا كلمة عبّرت عن تقدير المشاركين".

ابتهج المشاركون بقول إحدى المندوبات "إنكم تستحقون حياة أفضل". يُصر نجار على أن العودة من كندا إلى فلسطين قد تبدو أسهل من العودة من لبنان "فمأساتنا اليومية هي طريق لمحو ذاكرتنا، والإيمان بالعودة ليس محصوراً بكلم واحد هو مساحة المخيم". الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني تلقّت دعوة للقاء في السفارة الكندية يوم غد الخميس، كما يقول رئيسها فتحي نجار.

التغريبة
المعتصمون سلّموا مذكرة للسفارة الكندية، تتحدث فيها عن حرمان الفلسطينيين في لبنان، وتطلب تدخّل كندا لإنقاذهم، بالسماح بهجرتهم إليها. ولم يكن مصادفة توجيه طلب الهجرة إلى كندا، فهذه الدولة تولّت منذ مؤتمر مدريد (1991) رئاسة لجنة اللاجئين. وفي كل مرة أُثيرت قضية تهجير الفلسطينيين من لبنان، كانت كندا الدولة الأكثر حضوراً في التداول الشعبي على الأقل، وهو ما جرى تحديداً أثناء مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

لم يعرف الفلسطينيون الهجرة الواسعة من لبنان إلا في عقد الستينيات، من القرن الماضي، وكانت غالباً لأسباب اقتصادية، وبالأخص إلى بلدان الخليج العربي وليبيا، وكذلك ألمانيا، التي استوعبت عدداً لا بأس به من اليد العاملة الفلسطينية. وتضاعفت الهجرة في السبعينيات، وخصوصاً بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975.

وشهدت الهجرة الفلسطينية تصاعداً خلال عام 1983، ويقول الراحل شفيق الحوت في مذكراته "وعلمت سنتئذ أن دوائر الأمن العام اللبناني سجلت أعلى نسبة نزوح في تاريخ اللجوء الفلسطيني في لبنان، إذ بلغ عدد من غادروا عبر المطار قرابة 70000 فلسطيني توزعتهم الدول الاسكندنافية وألمانيا وبريطانيا. وقلة منهم تمكنت من الوصول إلى أميركا الشمالية وأستراليا". تبع ذلك موجات أخرى من الهجرات المتلاحقة أهمّها تلك التي رافقت وتبعت حرب المخيمات (1985-1987).

إذا كان مجموع اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان هو 483 ألفاً، فإن الهجرات المتتالية جعلته يقترب من 175 ألفاً، أي ليس ببعيد عمّا كان عددهم عند تهجيرهم من بلادهم، وفق لجنة "كْلاپ" Clapp  الأممية عام 1948. وإذا كانت تصفية قضية اللاجئين خطة ترامبية معلنة، تتقاطع مع مطالب مسؤولين لبنانيين بتهجيرهم، وباستناد كامل إلى تسهيلات غير خفية لتحقيق هذا الهدف، فيمكن أن لا يكون بعيداً ذلك اليوم الذي يصحو فيه العالم على لبنان بلا فلسطينيين، مصاحباً بدعوات التمجيد لمقاومة فلسطين، وتحرير أرضها.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024