روي ديب.. فنان بمواجهة فساد السلطة وتعسّف المصارف

وليد حسين

الإثنين 2020/01/06
بدأت الاحتجاجات تتركز على المصارف، بفعل احتجاز أموال اللبنانيين. وخفت نبض الشارع الذي نهض منذ اندلاع ثورة 17 تشرين. لكن هذا لا يعني أن الناس عادت إلى بيوتها، وكأن شيئاً لم يحصل.

فضمور الشارع أسبابه متشعبة وكثيرة، ليس أولها ما قامت به المصارف من إجراءات، حملت الناس على استجدائها لتحصيل أموالها منها، بل هناك أيضاً تعب الناس بعد نحو ثلاثة أشهر على اندلاع الثورة.

لكن ثمة أشخاصاً ووجوهاً نراها يومياً في الشارع. وهذا نوع من تأكيد دوام الحضور في الساحات وجهوزيتها، على ما يقول الناشط والفنان روي ديب لـ"المدن"، الذي هو نفسه أحد أبرز تلك الوجوه المواظبة على الفعل والنشاط والمبادرة.

أغانٍ وقطعُ طرق
ينتمي ديب إلى جيل الشباب الذي برز مؤخراً في الساحات والتظاهرات والاحتجاجات، إسوة بسواه الذين انضووا في مجموعات تعمل على الأرض منذ 17 تشرين الأول. وهو من الناشطين في فن المسرح والسينما والرقص المعاصر.

أسس مع شبان تعرف عليهم أثناء الاحتجاجات، مجموعة عرفت باسم "القنطاري"، بعدما اقفلوا الطريق الذي يحمل هذا الاسم، أكثر من مرة منذ اندلاع الثورة. ولاحقاً انتقلت المجموعة من قطع الطرق إلى تنظيم تحركات ضد المؤسسات العامة في بيروت. وساهمت المجموعة في تأليف أغاني الثورة التي انتشرت في الساحات، مثل أغنية "لا تصدق بحكي الإشاعات"، وأغنية "سكر يا شعبي الطريق لبكرا يحلا"، وأغان للمصارف والأعياد. واستخدمت المجموعة الأغاني التقليدية لإيصال رسائل سياسية.

أكاذيب المصارف
رغم تركّز الاحتجاجات في الفترة الأخيرة على المصارف، بعد عسفها بالمواطنين، يعتقد ديب أن المعركة الرئيسة تبقى مع السلطة أساساً، ومع المصارف جزئياً.

وتضم مجموعة "القنطاري" لجنة تقوم بأبحاث حول الإدارات والوزارات والمصارف، لتوجيه الناس إلى مكامن الهدر والفساد فيها. وتوصلت المجموعة، وفق ديب، إلى أن أزمة المصارف ليست بسبب السحوبات من حسابات المودعين الصغار، الذين يملكون نحو مليون وسبعمئة ألف حساب، لا يتخطى كل واحد فيها الخمسة ملايين ليرة، ولا يتخطى حجمها المالي مليار دولار. وهذا يعني أنه حتى لو لجأ هؤلاء المودعون جميعاً إلى سحب أموالهم دفعة واحدة، فإن هذا لا يؤدى إلى أزمة السيولة التي تعاني منها المصارف. أما السبب الأساسي للأزمة، فهو التحويلات الكبيرة التي تمت إلى الخارج، والتي قام بها كبار المودعين.

كسر إجراءات المصارف
نشطت المجموعة في الاحتجاجات الحالية ضد المصارف، لحماية حقوق الناس من تعسفها في إجراءات "الكابيتال كونترول" غير القانونية. فهذه الإجراءات باتت أمراً عادياً يتناوله الناس والمسؤولون بخفة. وهي تكرست واقعياً واتخذت طابع الفضيحة.

ويضيف ديب: "في تحركنا على بنك عودة فرع صوفيل، كان هدفنا إلقاء الضوء على الإجراءات التعسفية، بعدما بدأ الناس يتعودون عليها، ويتعاملون معها باعتبارها قانونية".

والمصارف، وفق ديب، تلتزم بتعميم جمعية المصارف المخالف لقانون النقد والتسليف. و"عندما دخلنا إلى بنك عودة لم نكن مجموعة شيوعيين ومشاغبين تريد إفلاس المصارف كما يدعون، بل نريد التصويب على تعامل المصارف غير القانوني مع المودعين".

وتابع: "دخلنا لتنفيذ معاملات اخترناها معبرة عن الإجراءات التعسفية المتمثلة في التوقف عن دفع الشيكات، ووضع السقوف على السحب، وإلزام المودع على سحب أمواله من الفرع حيث سجل حسابه. لكننا كسرنا الإجراءات التي تتخذها المصرف، ولم نخرج من المصرف قبل تنفيذ المعاملات التي أتينا من أجلها".

تواطؤ المركزي والأجهزة
ويعتقد ديب أن ما يحصل عملياً في المصارف، لا يقتصر على التحركات السلمية الهادفة إلى فضح ممارساتها، بل أن الناس باتوا غير قادرين على تحمل التعسف الحالي، وقد يلجأون إلى العنف وصب غضبهم المحق على المصارف. ولأن المصارف مدركة أن ما تقوم به غير قانوني، ربما تلجأ إلى الإضراب، ليس بسبب هذه التحركات، بل ستتذرع بأي حجة للإقفال.

ما هو حاصل عملياً، وفق ديب: غياب مصارحة المصارف للناس بالحقيقة وبطبيعة إجراءاتها. وهذا أفقد الثقة بالنظام المصرفي. فعوضاً عن اتخاذ المصرف المركزي إجراءات واضحة، ومصارحة الناس بطبيعة الأزمة والحاجة إلى سياسات معينة، يستمر "المركزي" بسياسة تجاهل الواقع. فالمودعون الذين وضعوا أموالهم أمانة في المصارف، لا علاقة لهم بالإجراءات التي تتخذها جمعيتها التي لا صفة قانونية لها لإصدار تعاميم تطال حقوق المودعين.

وهذا يعني  أن المصارف فوق الدولة والقوانين اللبنانية. وما نراه يومياً يبدي المصارف دولة داخل الدولة، وسلطتها أقوى من سلطة الدولة، ولها قوانينها الخاصة، وتتحكم بأموال اللبنانيين، ولا من يحاسب، قال ديب.

وهو تحدث في هذا الإطار عن استدعاء الناشط ربيع الأمين، بدعوى من صاحب مصرف الموارد مروان خير الدين. واصفاً بالوقاحة تحرك أجهزة الدولة لاستدعاء الناشطين بذريعة تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. فرغم أن شتم المسؤولين الذين يشغلون مناصب عامة، حق من حقوق المواطن ومكفول في الاتفاقيات الدولية، تلجا الأجهزة الرسمية إلى استدعاء الناشطين، لأن صاحب مصرف قرر هذا الأمر. وهذا من دون استدعاء صاحب مصرف واحد بسبب الإجراءات غير القانونية التي تحتجز أموال اللبنانيين. ما يظهر كم هي عميقة سلطة المصارف على الدولة.

حملة "مش دافعين"
إلى جانب التحركات الحالية ضد المصارف، تنشط مجموعة "القنطاري" في حملة "مش دافعين". وهنا يشير ديب إلى أن بعض الناس توقفوا عن دفع القروض والضرائب قبل إطلاق الحملة، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وخصوصاً بعدما أقفلت مؤسسات كثيرة أبوابها أو بدأت تقاضي الموظفين نصف رواتبهم.

والحملة غايتها حث الناس على عدم دفع الضرائب والقروض، كنوع من التضامن الوطني مع غير القادرين على حمايتهم من عسف المصارف. ليس هذا فحسب، بل تهدف الحملة إلى تشكيل حالة ضغط شعبية لإعادة النظر في الفوائد الفاحشة التي تفرضها المصارف على القروض.

وتتجه المجموعات في المرحلة المقبلة لإعادة تصويب البوصلة على جمعية المصارف والمصرف المركزي، لأنهما من الجهات المسؤولة عن الأزمة الحالية. وهذا إضافة إلى الضغط على لجنة الرقابة على المصارف، للكشف عن التحويلات المالية التي حصلت في الفترة السابقة إلى الخارج، المسبب الأساسي للأزمة الحالية.

لكن هذا لا يعني أن المجموعة تحصر الأزمة الاقتصادية الحالية بالمصارف. فالأخيرة جزء من المنظومة السياسية الفاسدة القائمة. والمعركة هي مع السلطة بكل أحزابها ومكوناتها، ومع الحكومة المستقيلة وتلك التي يعمل الرئيس المكلف حسان دياب على تشكيلها. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024