سوق سوداء للقاحات ولبنان أسوأ من الصومال بالتلقيح

وليد حسين

الأحد 2020/11/22

تتصاعد صرخة أطباء الأطفال ضد وزير الصحة حمد حسن والسياسة المعتمدة في اللقاحات. فمنذ نحو ستة أشهر أراد وزير الصحة منع الاحتكار الذي كانت تمارسه أربع صيدليات تمتلك الحق الحصري ببيع لقاحات الأطفال، فأصدر قراراً بحصر بيعها في كل الصيدليات، ومنع أطباء الأطفال من شرائها لتلقيح الأطفال كما كان معتمداً في السابق.  

فوضى عارمة
هذه الآلية التي أقرها الوزير لم ترض الأطباء، ليس لأن الوزير منعهم من شراء اللقاح، بل لأن حصر بيع اللقاح بالصيدلي، حتى ولو من خلال وصفة طبية موحدة، أدت إلى فوضى عارمة في هذا القطاع. وتراجعت نسب تلقيح الأطفال بشكل كبير. كما خلقت سوقاً سوداء للتلقيح، خصوصاً في لقاحات الأنفلونزا. ما استدعى بياناً شديد اللهجة من جمعيتي أطباء الأطفال في بيروت والشمال معتبرتين أن "المقاربة التي وضعتها الوزارة للقاح الأنفلونزا اظهرت الاهتراء الكامل في آلية العمل. فبدل أن يكون الطبيب الشخص الأمثل لتحديد الأولويات ووضع البرمجة المناسبة لكل مريض، جرى اقصاءه واعتمدت آليات مبتذلة لتوزيع لقاح الأنفلونزا وأُسندت إلى الصيدلي. وأدت إلى مزيج من المصادرة والاحتكار وسوء الخيارات في التسليم، فأصبح اللقاح سلعة بدل أن يكون عملا طبيا وقائيا. ووصل اللقاح للعديد من الناس ما عدا من هم بأمس الحاجة إليه من مرضى القلب والقصور التنفسي والسكري والربو وخاصة شريحة الأطفال".

وما زاد الطين بلة تصريحات الوزير الذي اعتبر في أحد لقاءاته مؤخراً أن الأطباء يطالبون بالعودة إلى الطريقة السابقة لأنهم يطمعون بتحصيل بدل الأتعاب من المرضى ليس إلا. لذا حتى أطباء الأطفال في حزب الله شعروا بالمهانة من هذه التصريحات، وراحوا ينتقدون الوزير على صفحاتهم.

لم ينصت الوزير للتحذيرات من مغبة هذا القرار. وحيال الصرخة التي تصاعدت في وجهه، اتخذ قراراً لإرضاء الأطباء، فسمح لهم منذ نحو عشرة أيام بشراء لقاحات الانفلونزا من الصيدلي بكميات محدودة. لكن كما أكد أكثر من طبيب لم يصل إلى الأطباء أكثر من خمسة لقاحات للأنفلونزا، بالتالي تمنعوا عن استلامها.

الوزير وأقاربه الصيادلة
لقد كانت خطوات الوزير عجيبة. وهو أبلغ الأطباء خلال أحد الاجتماعات أن من حق الصيدلي الاستفادة المالية من اللقاحات بعدما تراجع دخلهم وجعالتهم من الأدوية بسبب الأوضاع الاقتصادية. حتى أنه ألزم شركات الأدوية توزيع حليب الأطفال في الصيدليات بعدما كان يوزع في السوبرماركت. وللعلم فأن زوجة الوزير صيدلانية وأقاربه ومعظم مستشاريه صيادلة. بالتالي لم يكن قراره لمنع تجاوز بعض الأطباء في بيع اللقاحات، لأن السوق السوداء فتحت على غاربها بعد تلك القرارات.

وفي النتيجة أدت قرارات الوزير إلى سوق سوداء واحتكار كبير. فلم تصل اللقاحات إلى الفئات التي حددها الوزير، أي الأطفال وكبار السن، بل صارت تباع في الصيدليات ويقوم الصيدلي بحقنها للزبون. وسمع الأطباء من مرضاهم أنهم اشتروا لقاحات الأنفلونزا بمبالغ فاقت مئتي ألف ليرة، بينما سعر اللقاح لا يتجاوز الـ21 الف ليرة. فالطلب على اللقاحات ارتفع تزامناً مع وباء كورونا، ما دفع الصيدليات إلى الحصول عليها حتى عن طريق التهريب. وعمدت بعض الصيدليات إلى شراء لقاحات "فاكسي غريب" مهربة إلى لبنان، صادرة عن شركة سانوفي الفرنسية، من دون أن تمر عبر شركة إيبو المعتمدة في لبنان. لذا أصدرت وزارة الصحة قراراً بسحب هذه اللقاحات من السوق.

صوملة لبنان
ووفق البروفسور في طب الأطفال، وعضو اللجنة التقنية للقاحات للشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، غسان دبيبو، "تراجعت نسب تلقيح الأطفال في لبنان وباتت شبيهة بأرقام الصومال. وبتنا من بين الدول المنخفضة جداً في معدلات التلقيح، بينما كنا في الصدارة. وأصبح لبنان متقدماً في أعداد المصابين بالحصبة. فقياساً بعدد السكان واللاجئين بات لبنان في المرتبة الثانية بعدم التلقيح بين كل دول المنطقة".

وأضاف أن "لبنان كان أساساً يعاني من مشكلة إيصال اللقاح للأطفال، لذا أدخلنا قرار الوزير في مأزق كبير. وبات الأهل يستصعبون آلية التلقيح. فالطبيب يلقح المرضى حسب الجداول المعتمدة، وكان يشتري اللقاحات من شركات الأدوية. لكن الوزير الحالي وبالتعاون مع نقيب الصيادلة قرر حصر التلقيح من خلال بيع الصيدلي للقاحات. وبات المريض بحاجة لوصفة طبية لشراء اللقاح، ليحمله إلى الطبيب لحقنه به. نظرياً هذه الآلية هي محاولة للحد من المتاجرة باللقاح. لكن النتيجة أن الصيدليات احتكرت اللقاحات، وتعقدت آلية التلقيح لدرجة أن نسبة التلقيح تراجعت بشكل خطير. وبات المواطنون لا يقدمون على التلقيح. أو بات قسم منهم يستسهل الأمر ويطلب من الصيدلي حقنه مباشرة. ومن المعروف أن معظم الصيدليات لا يوجد فيها صيدلي متخصص، بل طلاب وموظفون، أي أشخاص غير مخولين. ولا يعرفون إذا كان اللقاح صالحاً للمريض، أو يقدم في وقته المحدد وبالشكل المطلوب. وهذا خلق شرخاً بين جمعيات طب الأطفال والوزير".

ووفق دبيبو "قرار الوزير أتى من دون استشارة جمعية طب الأطفال والأشخاص المعنيين. وبتنا نسمع عن سوق سوداء. وآلية الوزير ادعت حل مشكلة، فرسخت مشكلة أكبر من الأولى. هذا فضلاً عن أن هناك صيدليات كثيرة لا تهتم وليس عندها قدرة على تخزين اللقاحات. بينما كان الطبيب يتحمل مسؤولية مرضاه ويعمل على توفير اللقاحات لهم وفق الجداول الخاصة بهم".

واستنكر دبيبو ما بدر عن وزير الصحة قائلاً: "من الطبيعي أن يتلقى الطبيب اتعابه، وهل يعمل مجاناً؟ أساساً طبيب الأطفال مدخوله من الطب الوقائي أي اللقاحات. ودوره منع الأمراض من خلال تلقيح الأطفال، لا أن ينتظر مرضهم لتلقيحهم. فليسمح لنا الوزير. من حق الطبيب تلقي اتعابه بكرامة ومن دون منة من أحد. فنحن لا نسرق ولا نتاجر ولا نستغل مواقعنا السياسية التي أُسقطنا عليها بالبارشوت".

وتابع دبيبو لقد "أحدثت قرارات الوزير بلبلة في السياسة الصحية العامة في لبنان، وخلقت فوضى كبيرة جداً نحن بغنى عنها في لبنان حالياً، خصوصاً أنها أتت لأسباب غير مفهومة. كان يفترض بوزارة الصحة العمل مع جميع الشركاء، أصحاب الدور الأساسي في الطب الوقائي ومكافحة الأوبئة في لبنان، وليس التقاء أفراد ومجموعات لتقرير سياسة صحية كيفما اتفق، كما يحصل حالياً".

رد الوزارة
في اتصال مع وزارة الصحة، أكد أحد مستشاري الوزير "أن وزارة الصحة العامة وانطلاقا من مسئوليتها بتنظيم قطاع الدواء بلبنان، ومنها اللقاحات التي حددها قانون مزاولة مهنة الصيدلية 367/تاريخ 1\8\1994 وتعديلاته ،لا سيما المواد35-36-70-78/11994، والقرار 979/1-24/7/2020، والقرار 1576\1-12/11/2020، والمذكرة 149\1-6-11-2020، ونظرا لتفشي جائحة كورونا، ونظرا لأهمية تحصين الكوادر الطبية وزيادة بالحرص بإيصال اللقاح إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة، يهم وزارة الصحة العامة أن تشدد على التزامها بتوفير اللقاح للفئات الواردة بالمذكرة149\1.
وتذكر المعنيين انها نسقت مع جميع النقابات الطبية والمستشفيات والمختبرات بهدف حصول منتسبيها على اللقاح لتقليل إصابة كوادرهم الطبية بعدوى الأنفلونزا الموسمية. ونلفت النظر ومع الزيادة على طلب اللقاحات فإن وزارة الصحة سعت وبمجهود علي لزيادة حصة لبنان من اللقاحات وحصلت على كمية تزيد عن الضعفين سنويا".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024