النفير العام لمواجهة كورونا.. ومستشفى زحلة خارج الخدمة!

لوسي بارسخيان

الأربعاء 2020/08/19
فيما كان وزير الصحة في الحكومة المستقيلة، يطلق صباح الإثنين 16 آب الجاري نفير التحذير من نسبة تفشي فيروس كورونا، غابت عنه تحديات المرحلة المقبلة. ومنها أن "مستشفى الياس الهراوي الحكومي" في زحلة، لن يكون جزءًا من خطة وزارته: تفريغ المستشفيات الحكومية وتخصيصها لاستقبال المصابين بكورونا. وهذا لأن أبواب قسم كورونا في هذه المستشفى لا تزال مقفلة منذ 28 تموز الماضي، إثر فضيحة طبيب المختبر قاسم. ي. الذي تبين أنه "لم يكن طبيباً"، من دون أن يعين أي طبيب بديلاً عنه حتى الآن.

تجهيز وفراغ
من يزور المستشفى صباح يوم الإثنين، يلاحظ غياب الحركة كلياً فيه: عاملا تنظيفات يجلسان أرضا وعلامات الملل بادية على وجهيهما. ولكنهما الوحيدان الموجودان ليخبرا من يقصد المختبر أنه لا يزال خارج الخدمة.

خيمة استقبال المرضى خالية، أنوار المختبر مطفأة، وحتى باب القسم المجهز بالأسرة لحجر المصابين، موصد. وليس من يرشد المواطنين للبديل المقترح عن المختبر.

يأتي هذا الواقع وسط حال الفوضى العارمة التي تعيشها حكومة تصريف الأعمال. فتشغيل هذا القسم ليس في أولوياتها. ما يزيد القلق من انضمام قسم كورونا في مستشفى زحلة الحكومي إلى "متحف" المراكز والأقسام الحكومية التي تجهز لتبقى غير فاعلة.

في المقابل، لا يبدو أن المنحى القضائي الذي اتخذه ادعاء النيابة العامة التمييزية في البقاع على "منتحل صفة الطبيب" بتاريخ 3 آب الجاري، يتجه للاقتصاص ممن أدخل قسم كورونا في مستشفى زحلة بحال الشلل.

صراخ لرفع المسؤولية
وعلى رغم طلب النيابة العامة إذن وزارة الصحة بملاحقة خمسة أشخاص آخرين متورطين في القضية، لا يبدو أن ذلك سيجد استجابة رسمية، خصوصاً أن الكلام المتداول يفيد عن تورط مسؤولين في وزارة الصحة نفسها بتعيين الطبيب المزيف، طالما أن الوزارة هي من سميه في البداية، حسب المعلومات.

يشكل السلوك الرسمي مع قضية مستشفى زحلة، نموذجاً عن أداء سلطة تكثر من الإطلالات الإعلامية في الملمات، وتقصر في إجراءاتها العملية. يدق وزير الصحة ناقوس الخطر من التفشي الوبائي الذي وصلنا إليه، ولكن ذلك ليس سوى رفع للمسؤولية، على قاعدة "اللهم إني بلغت"، إذ لا يترافق الكلام مع متابعة يومية للهفوات المرتكبة في مختلف المناطق، ومن بينها زحلة، التي يتغاضى الوزير عن حقيقة أن تعطيل قسم كورونا في مستشفاها الحكومي، يترك منطقة جغرافية واسعة، تمتد من ضهر البيدر حتى مداخل بعلبك، بلا مرجعية رسمية لإجراء فحوص كورونا.

وعليه، لم يعد مستغرباً أن تتضاءل أرقام الإصابات في البقاع، رغم ارتفاعها في المناطق الأخرى. فليس المرض الذي ضيّع طريق هذه المنطقة، بل إمكانات ترصده هي المفقودة.

ووجود مختبر خاص وحيد لإجراء مثل هذه الفحوص في زحلة، لن يكون مخولاً أو ربما ليس مستعداً لملء الفراغ الذي خلفه تعطيل قسم كورونا في مستشفى زحلة الحكومي. فالأخير هو الوحيد الملزم بإجراء الفحوص مجاناً للمصابين والمخالطين، من ضمن سياسة الترصد الوبائي الموضوعة لمنع التفشي السريع للفيروس.

ضرورة الفحوص المجانية
وعندما أعلن مجلس إدارة مستشفى الياس الهراوي الحكومي، إثر فضيحة منتحل صفة الطبيب، عن توقف موقت لقسم كورونا لمدة 72 ساعة، رفع رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، التحذير من تعطيل هذا القسم، مطالباً بالإسراع في تعيين طبيب بديل فوراً، حتى لا يتحول الإهمال بإجراء الفحوص سبباً لتفشي الوباء.

يعلم عراجي كما سائر المعنيين بالبقاع، أنها منطقة لا تعاني فقراً وحسب، يحول دون خضوع أهلها للاستشفاء، إذا لم يكن مجانياً، وإنما لا يزال الكثير من أهلها غير مصدقين أن هناك فيروساً معدياً يفتك في العالم. وعليه، فإن الكثيرين ليسوا مستعدين للخضوع إلى الفحص، ما لم يكن ذلك مجاناً، وأحياناً تحت ضغوط أمنية يخضع لها المخالطون، حتى لا يتسببوا بنشر العدوى وانتقالها إلى آخرين.

خطأ روتيني!
وترى مصادر طبية أن تداعيات ما حصل في مستشفى الياس الهراوي الحكومي كبيرة جداً، تجعل البقاع كله يدفع ثمن الخديعة التي وقعت فيها، إقفالاً قسرياً لقسم كورونا، وخصوصاً بعد الجهد الكبير الذي بذل في تجهيزه. 

وتشير أوساط متابعة للادعاء على منتحل صفة الطبيب، إلى تحقيقات داخلية تجري في المستشفى، للتأكد مما إذا كان الخطأ الذي ارتكب بشرياً أو تقنياً. وهو ما خلصت جهات متابعة إلى أنه يمكن أن لا يكون هذا أو ذاك، بل خطأ "روتيني" يحصل في فحوص الـPCR التي قد يبلغ هامش الخطأ في نتائجها أحيانا نسبة 30 في المئة في معظم المختبرات.

بالنسبة لهؤلاء، فإن ما تسبب بكل هذه البلبلة هو التسرع بإعلان نتائج غير نهائية، كان يفترض أن تعاد خلال 48 ساعة. وهي بلبلة ما كانت لتحصل لو لم تقترن بأسماء نافذين في السلطة، تركت تبعات إصابتهم المحتملة، خضة على مستوى لبنان عموماً، وأقفلت المجلس النيابي خوفاً من انتقال العدوى من نائب إلى زملائه.

غش وتزوير
ولكن ثمة نقطة إيجابية للضجة التي أثارها الخطأ، سواء في نتائج فحوص النائب جورج عقيص أو ابنة النائب ميشال ضاهر. وهي كشفت عملية غش وتزوير متقنة حاول البعض إخفاءها في مستشفى زحلة الحكومي. ومع ذلك، لم يسهل أسلوب التعاطي الفضائحي معها، مهمة ملء الفراغ الذي خلفه القبض على منتحل صفة الطبيب.

وحسب المعلومات، فإن المعنيين بمستشفى الياس الهراوي الحكومي، يقفون اليوم أمام خيارين لإعادة تشغيل المختبر. فإما أن يعين طبيب مختبر على مسؤوليتهم، وإما أن يقبل باسم تقترحه وزارة الصحة، بالعودة الى نقابة أطباء المختبر. وحسب المعلومات، فإن الإدارة لن تتخذ أحد الخيارين إلا عندما يتوفران بشكل واضح أمامها. علما أن نقابة أطباء المختبر أرسلت للإدارة إسم أحد الأطباء، وهي تنتظر إجراء مقابلة معه، والتدقيق في كافة المستندات والشهادات التي يتقدم بها، وخصوصاً بعد الهفوة التي سقطت بها سابقاً، عندما استعجلت تعيين الطبيب، واعتبرت حينها مصداقيته نابعة من كونه مسمى مباشرة من وزارة الصحة، ليتبين لاحقا أنها وقعت في خديعة الشخص الذي تسبب بكل اللغط حول أداء مختبراتها.

الخوف من المسؤولية
ولا يبدو أن ترجيح أي من الخيارين اللذين تقف أمامهما المستشفى بالسهولة المطلوبة. فحسب مصادر طبية متابعة، هناك أولا صعوبة إيجاد طبيب مختبر متخصص بفحص الـPCR، ومعظم من هم متخصصون في هذا المجال توزعوا على مستشفيات حكومية أخرى، أو على مستشفيات ومختبرات خاصة. وثانياً، لأن الضجة التي أثارتها قضية توقيف طبيب مختبر، خلفت حذرا لدى من يملكون خبرة، من أن تكون هناك هفوات فنية في تجهيز المختبر يمكن أن تضع عملهم في دائرة التشكيك، وبالتالي يكون ذلك سبباً للتشهير بسمعتهم.

ومن هنا ترى أوساط طبية متابعة، حاجة ماسة للتكاتف حول المستشفى الحكومي الوحيد الموجود في البقاع، لإخراجه من دائرة القنص على هفواته السابقة. وبالتالي، إعادة تحريك عمله، كي يكون بوصلة لحالة التفشي الوبائي في منطقة البقاع، أسوة بباقي المستشفيات الحكومية في لبنان. وإلا يكون البقاع أمام حرمان جديد يضاف إلى الحرمان من مراكز الحجر الصحية. وهذا، ما تشكو منه السلطات المحلية من أداء الوزارات المعنية، خصوصاً أن اقتراحات وجهت اليها لاعتماد أكثر من موقع للحجر، أحدها يمكن أن يأوي أكثر من 50 مصاباً أو مشتبه بإصابته في مناطق زحلة النائية، ولم تبت السلطات الرسمية بأي موقع منها.

وهذا كله فيما يتحدث وزير الصحة عن حال استنفار وطوارئ تتجه البلاد لدخولها مع ارتفاع الإصابات بشكل كبير.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024