تظاهرة للخروج على جهاز الاتحاد العمالي الخاوي والميت

المدن - مجتمع

الأحد 2019/11/17
في إطار التحركات والتظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية المستمرة في لبنان منذ 17 تشرين الأول الماضي - وهي شقّت طريقها منتشرة في المناطق اللبنانية، فتجمعت وتداخلت روافدها طوال شهر حتى اليوم السبت 17 تشرين الثاني 2019، لتشكل موجة من ثورات "الربيع العربي" البادئ في نهاية العام 2010 من تونس - سارت في الساعة الثالثة بعد ظهر هذا اليوم (السبت) تظاهرة من أمام مقر "الاتحاد العمالي العام في لبنان" على كورنيش النهر، فاجتازت شارع مار مخايل وصولاً إلى ساحتي الاعتصام في وسط بيروت، الشهداء ورياض الصلح.

والتظاهرة هذه واحدة من سلسلة التظاهرات الكثيرة، المتلاحقة والمتفرقة والمتشعبة والمتداخلة والمتزامنة في بيروت، مع نشاطات ساحات الاعتصام المتقطع والمستمر من طرابلس شمالاً إلى صور جنوباً. وهي تزامنت مع انطلاق "بوسطة الثورة" التي أقلت، صباح اليوم، ناشطين شماليين من عكار وطرابلس، وصولاً إلى صيدا، ومروراً في البترون وجبيل وزوق مكايل وجل الديب والشويفات والناعمة.

خواء الاتحاد ومواته
هدف انطلاق التظاهرة من أمام مقر "الاتحاد العالي العام"، هو تسليط الضوء على عطالة الاتحاد، وتحوله منذ توقف الحرب في لبنان سنة 1990، جهازاً خاوياً وميتاً لمتنفذين بيروقراطيين ملحقين بأجهزة زعامات الجماعات الطائفية والحزبية التي كانت ملحقة بنظام الاستخبارات السورية الأسدية طوال سيطرته على الحياة السياسية وإدارتها في لبنان، حتى العام 2005. لكن الاتحاد استمر على خوائه ومواته مذّاك، لتستعمله أجهزة الزعامات التي ورثت التركة الأسدية، مطيّة لها، فمنعت نشوء أي تحرك عمالي ونقابي فعلي وحقيقي يمثل القطاعات العمالية والمهنية في لبنان، ويطالب بحقوقها ويدافع عن مصالحها.

والحق أن وجهاً من وجوه انتفاضة 17 تشرين الأول اللبنانية المستمرة، ينطوي على الخروج من تلك الأطر الخاوية والمتخشبة، وشبه البوليسية، والتي عملت أجهزة زعامات الجماعات اللبنانية شبه المافيوية، وحرصت على إرسائهما، ليس في الحياة والمنظمات النقابية فحسب، بل في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وفي هيئات المجتمع المدني، ومنها البلديات. وهي اعتمدت في ذلك أساليب الترغيب والترهيب والاستتباع والرشوة، لمنع نشوء نقابات وجمعيات مستقلة تمثل مصالح المهنيين والموظفين والعمال.

وقد تكون عملية دخول مجموعة من الشبان الناشطين، خلسة إلى مقر الاتحاد العمالي العام إياه، قبل أيام من انطلاق انتفاضة 17 تشرين الأول، ورفعهم شعارات احتجاجية على بيروقراطييه الملتحقين بأحزاب السلطة، وتصويرهم شريط فيديو لعمليتهم للفت الأنظار إلى خواء الاتحاد ومواته - قد تكون تلك العملية من إرهاصات الانتفاضة التي سرعان ما انتشرت في مناطق ومدن لبنانية كثيرة.

اتحاد زبانية المعالي
جاءت تظاهرة يوم السبت التي جمعت مئات من المحتجين من الجنسين، ومن أجيال وفئات عمرية متفاوتة، ومن فئات وبيئات اجتماعية ومهنية مختلفة، لتؤكد أن المتظاهرين المنطلقين من أمام الاتحاد المقفل والمغلق، والمستمر على صمته وفراغه منذ ما قبل الانتفاضة، يريدون نقل دبيب الحياة المنتشرة والفائضة في الشوارع والساحات إلى أروقة الاتحاد، وإسقاط رموزه من البيروقراطيين المتفرغين والبطالين المدفوعي الأجور، والمحظيين الأجراء في خدمة زبانيتهم من الزعامات والمتنفذين في السلطة الاوليغارشية التي تتحكم بمصير المجتمع والحياة السياسية في لبنان منذ عقود.

وكان لافتاً تصدر صبيّة ثلاثينية المتظاهرين، وهتافها: "علّي صوتك بالعالي/ الاتحاد العمالي/ موظف عند المعالي". وعلى إيقاع هذا الهتاف سارت التظاهرة وعبرت شارع السهر والترفيه الشبابي الأبرز في بيروت، مار مخايل، حيث اختلط المتظاهرون بمجموعات من الشابات والشبان الذين واللواتي بدأوا سهرتهم باكراً في أمسية السبت هذه. ربما استراحة عابرة بين تظاهرتين، وتحضيراً لتظاهرات الأحد 17 تشرين الثاني، في ساحتي الشهداء، ورياض الصلح في وسط بيروت. وذلك عوداً على بدء الانتفاضة في 17 الشهر المنصرم.

ومن هتافات الجيل الشاب في التظاهرة: "نحنا الثورة الشعبية/ إنتو الحرب الأهلية". وهذا كناية عن أن متنفذي الاتحاد العمالي العام من زبانية أجهزة الزعامات، هم جيل الحرب الأهلية والميليشيات المسلحة وورثتها، والمستمرين على نهجها في إدارة الاتحاد الميت. ومن المفارقات أن التظاهرة شاركت فيها جموع من أعمار متقدمة، كان لها حضورها في أنشطة الحرب الأهلية وميليشياتها وأحزابها، وخصوصاً من أحزاب ما كان يسمى "الحركة الوطنية والتقدمية اللبنانية". وهذه كانت متنفذة في إدارة الاتحاد العمالي العام قبل الحرب. لكن هذه الفئة من المشاركين في التظاهرة، ومعظمهم من الشيوعيين واليساريين السابقين، ومنهم من لا يزال مقيما على يساريته، قد خرجوا على الأطر والانتماءات الحزبية المتخشبة منذ زمن طويل. وبعضهم من لا يزال يكابد خشبيتها وذكرياتها المريرة. وهذا ما دفع أحد المتظاهرين على القول ممازحا وساخراً، تعليقا على ذلك الهتاف، إن صبايا وشبان التظاهرة المولودين ما بعد الحرب، إنما يشيرون في هتافهم هذا إلى ذلك الجيل المتقدم في العمر السائرة مجموعاته في مقدم التظاهرة.

استلهام الثورة السودانية
"ارفعوا أيدي أحزاب السلطة عن النقابات"، و"حوّلوا الروابط إلى نقابات"، شعاران مدونان على لافتتين من لافتات التظاهرة. أما اللافتة الأساسية التي تقدمت النتظاهرة، فكُتب عليها: "تجمع مهنيات ومهنيين". وهذه اللافتة تشير إلى محاولات خلق أداة نقابية - سياسية جديدة في خضم انتفاضة 17 تشرين الأول الراهنة في لبنان. وهي محاولة لجمع أصحاب مهن وأعمال متفرقة في إطار نقابي - سياسي جامع يضم محامين ومهندسين وأطباء وأساتذة جامعيين وصحافيين وكتاباً، وسواهم من المهنيين.

ويستوحي هذا التجمع الناشئ حديثاً نشاط "تجمع المهنيين السودانيين" الذي مهّد للثورة السودانية وكان عصبها الأساسي، منذ انطلاقها في الشهر الأخير من العام 2018. وهذا من الإشارات التي تدل على توارد وتواتر وتراسل أشكال التنظيم والتأطير والتحرك التي لابست الانتفاضات والثورات العربية، منذ بدايات انطلاقها في العام 2011.

تظاهرة من أمام الاتحاد العمالي العام، وصولاً إلى ساحتي الاعتصام في وسط بيروت، ضد الخواء والإفلاس الذين كانا سائدين في الحياة السياسية والنقابية في لبنان ما قبل الانتفاضة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024