شارل نصار يصنع من الشظايا فنّاً: حديقة بيته "متحف"

ميريام سويدان

الإثنين 2018/07/09

تلقّى شارل نصار (53 عاماً) اتصالاً من ابنته تسأله: "بابا، هل تحول بيتنا إلى متحف؟". فنصّار الذي تهجّر وأسرته في حرب الجبل، في العام 1983، إلى بيروت، تاركاً ذكرياته ومنزله الجبلي الذي كسب فيه مهنة الحدادة عن أبيه خمسة وعشرين سنة، عاد بعدها وأحيا الركام بأسلوبه الخاص. وها هي حديقة منزله في بلدة رمحالا متحف لفن الحديد، تحت عنوان "شظايا".

نقطة البداية
يعرّف نصار عن نفسه كما معظم اللبنانيين الخمسينيين بأنه "ابن حرب". عمل مع ابيه في مهنة الحدادة حتى مطلع شبابه، إلى أن أصيب بيت جيرانهم بقذيفة، فأتى الجار طالباً من الأب تحويل الشظايا إلى سكين. استغرب نصار الطلب، حتى استخدموا السكين نفسه في ذبح خاروفٍ احتفالاً بمولد طفل جديد. عندها أحسّ بأن الشظية "ذات قيمة". فدرس الرسم في معهد ميكولونج في بيروت وطوّر مهاراته في الحدادة، حتى استطاع صنع أكثر من 300 قطعة فنية من حديد القذائف والشظايا التي خلفتها الحروب.



فبينما كان اللبنانيون يتابعون أخبار حرب تموز، وبعدها أحداث حرب نهر البارد، كان نصار يخطط لزيارة كل المناطق التي تعرضت للقصف لجمع الحديد فيها وتحويلها إلى مجسمات. يضيف نصار أن عناصر الجيش أبدوا تعاوناً بجمع الشظايا وتسليمها له، حتى أنه كرمهم بتمثال ضخم لرجلٍ يحمل العلم اللبناني.

غياب دعم الدولة
عندما سئل نصار عن دعم الدولة له ابتسم، مستعيناً بإجابة الشاعر سعيد عقل عن السؤال نفسه، "الدولة أنا لازم ساعدها". يضيف أنه لم يتلق أي دعم أو مساعدة حين دمر منزله في الحرب، ولا حتى بعدها. "اليوم، هم بحاجة إليّ، في كل زيارة لأي زعيم حزب أو رئيس، يطلبون مني صنع تمثال تذكاري".


إلا أن الدعم المعنوي العالمي ليس غائباً. إذ يشارك نصار في العديد من المعارض في أوروبا والخليج، حتى أنه يكتسب مهارات وتقنيات جديدة تخدم متحفه. وهو حصل على جائزة اليوبيل العالمي للسلام في العام 2006، تقديراً لجهوده بتحويل الحرب إلى جمال.

متحف "شظايا"
يرى نصار في كلمة "متحف" مسؤولية كبيرة، خصوصاً أن كل ما تضمه هذه المساحة لم يكن سوى وليد ذكريات عاشها أو فكرة مستوحاة من شكل شظية. أي أنه لم يكن مخططاً أو مقصوداً. فـ"الفن مرتبط بالمكان"، حسب قوله. لذلك، لا يمكنه أن يتخيل هذه الحديقة الحديدية بعيداً من بلدته رمحالا، التي نشأ فيها مع كثير من الذكريات التي جسدها في نحته.


يستعد نصار لخطوته التالية، وهي توسيع القبو المواجه لبيته وتزويده بالمنحوتات الحديدية، مع إضافة عنصري الموسيقى والاضاءة. هكذا، لن تبقى تسمية "متحف" فضفاضة، حسب قوله. وإن كنا نختلف معه، إلا أننا نجزم أننا في الحرب أمام خيارين لا ثالث لهما: الموت، أو صنع الحياة منها. الأخير هو ما اختاره شارل نصّار، الفنان الذي وضع عدوه في بيته، وأحبّه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024