درءاً للمجاعة: مبادرات أهلية ناشطة لمساعدة المعوزين جنوباً

حسين سعد

الخميس 2020/04/02
طلبت مي (7 سنوات) من والدتها شراء ربطات خبز لتوزيعها على محتاجين. قبل استجابة أمها طلبها، شرعت الطفلة تدوِّن على دفترها المدرسي أسماء من ستشملهم حملتها: من تعرفهم تمام المعرفة بأنهم معوزون.

بطالة ونشاط إنساني
لم تأت فكرة الطفلة من فراغ. فهي تعايش يومياً أحاديث عائلية، وبين الجيران، وفي نشرات الأخبار، عما آلت اليه أوضاع الناس العاطلين عن العمل، في زمن كورونا وقبله حتى. وقد تكون مي استعارت الفكرة من جارتها زينب، التي تقضي وقتا طويلاً في توضيب سلة غذائية ووجبات الطعام لعائلات شديدة الفقر، باتت لا تملك ثمن الخبز والحليب لأطفالها.

المتطوعة زينب طالب خسرت عملها كشابات وشبان كثيرين، فانتمت مثلهم إلى جمعية إنسانية حديثة سموها "نحن قدا" في بلدة طيردبا الجنوبية. ومنذ ما يقارب أيام عشر بدأت الجمعية الشبابية بجمع تبرعات عينية من الأهالي المقتدرين، وتوزيعها على محتاجين ضمن لائحة ارتفع عدد أسمائها يوماً بعد يوم.

تشمل التقديمات المتواضعة، حسب المسؤولين في الجمعية، أكثر من 200 عائلة. وهي توضّب في سلال تحتوي مواد غذائية وخضر وفاكهة ولحوم دجاج ووجبات جاهزة لمسنين. وقام الشبان والشابات بجمعها من تبرعات عينية من فاعلي الخير، مؤكدين أن مشروعهم التطوعي سبقته مبادرات مماثلة، لشعورهم بحجم الأزمة الاجتماعية وتداعياتها.

شبان يارين
مع آخرين، انتدب غسان خلف نفسه، وهو شاب من قرية يارين الحدودية، للمساعدة في رفع الجوع عن عائلات كثيرة في قريته.

ينشط غسان - وهو يخوض هذه التجربة التطوعية للمرة الأولى - في مشروع  جمع التبرعات المادية والعينية من ميسورين مقيمين، ومغتربين من أبناء يارين التي ترتفع فيها مستويات الفقر، ويعتمد سكانها على الزراعة. ومع لجنة شباب يارين التي ولدت مع الأزمة الراهنة، تولى غسان توزيع ما تيسر بصمت بعيداً من الضجيج والتصوير.

صور القديمة
صور القديمة التي لا تدخل أحياءها الضيقة السيارات، نشأ فيها تجمع "تعاون شباب حارة صور". يضم التجمع شباناً وشابات متطوعون/متطوعات يعملون يومياً في جمع تبرعات عينية من مواد غذائية وخبز وألبان وخضر وفاكهة، إلى جانب تبرعات مالية ضئيلة.

ينهمك شبان وشابات الحارات الصورية القديمة - تسكنها غالبية فقراء صور - في عملية جمع السلع وتوضيبها في أكياس، وتوزيعها على منازل المعوزين في أزقة الحارات.

ووفق رجا الشّعار، أحد المتطوعين في الحملة، يستفيد من السلال الغذائية أو ما يعرف بالحصص الصغيرة، ما يقارب الـ 200 عائلة فقيرة، لاسيما من فقدت معيلها، أو توقف عمله نهائياً مع بدء الأزمة الراهنة وقبلها بشهور.



بنت جبيل ومغتربيها
في مدينة بنت جبيل المعروفة بكثرة مغتربيها، وضعت البلدية وجمعية "الغدير الخيرية" لأبناء الجنوب اسميهما على العلب الكرتونية التي تحوي الحصص الغذائية. وتحتوي كل علبة مواد متنوعة، ووُزعت على مئات العائلات في بنت جبيل. وكانت مجموعة من شبان المدينة توجهت بنداءات إلى مغتربي بنت جبيل الكثيرين في مدينة ميشغن الأميركية، للتبرع ومساعدة المتضررين من أزمة كورونا الذين فقدوا أعمالهم ومداخيلهم.

ولم تقتصر المبادرات على ذلك. فقد تعدتها الى إقدام مئات الأشخاص المقتدرين، على التخلي عن بدلات أجور شققهم ومحالهم لمستأجريها في شهر آذار. وحسم بعض أصحاب المولدات الكهربائية نسبة من بدلات اشتراك المشتركين في شهر آذار. وسارع آخرون إلى تقديم حصص غذائية.  

مبادرات أخرى
هذه المبادرات الفردية والجماعية، واكبها حزب الله وحركة أمل بالتنسيق مع البلديات والجمعيات الأهلية، بتشكيل خلايا ازمة في البلدات والقرى الجنوبية. لكن استمارات وزارة الشؤون الاجتماعية لم تصل إلى الآن إلى البلديات. وكانت الوزارة دعت تكراراً المواطنين الأكثر فقراً ومن فقدوا أعمالهم إلى تعبئة هذه الاستمارات للحصول على مساعدة مالية موعودة تقدر قيمتها بـ 400 ألف ليرة لبنانية.

وعلى خط المساعدات المتصلة بأزمة كورونا، بادرت قوات الأمم المتحدة التي تتخذ من الناقورة مقراً لقيادتها إلى تسليم بلدية الناقورة مستلزمات طبية. وتضمنت الهبة 750 كمامة جراحية و10 أقنعة و330 زوجاً من القفازات و10 بدلات واقية وغيرها.

وقال رئيس بعثة اليونيفيل وقائدها العام الجنرال الإيطالي ستيفانو ديل كول: "في هذه الأوقات العصيبة من الضروري أن نهتم ببعضنا. فالوضع غير المسبوق يتطلب إجراءات استثنائية وتعاوناً إلى أقصى الحدود، إضافة إلى اتباع نهج استباقي في مساعدة سكان المنطقة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024