تفاصيل وأسرار مجزرة بعقلين.. والمطاردة المستمرة

المدن - مجتمع

الأربعاء 2020/04/22

تعددت روايات المشهد المأسوي لما حصل في بعقلين، لكنّ النتيجة واحدة: "مجزرة مروّعة" ارتكبها شخص وربما أكثر، بلا وازع ضمير أو أخلاق، ولا رادع يحول بين القاتل وأطفالٍ أرداهم من دون ذنب اقترفوه.

ما بين رواية وأخرى تتضارب المعلومات وتتعدد السيناريوهات، وحتى التبريرات لجريمة متنقلة، وقعت في وضح النهار. ما بين هذه الرواية وتلك تتقاطع المعلومات على هوية المشتبه به مازن حرفوش، الذي استهلّ فيلمه المرعب بذبح زوجته منال تيماني، واستكمل بقية مقاطعه بقتل ثمانية آخرين ببندقية الصيّد مطارداً ضحاياه، مردياً الواحد تلو الآخر بطلقة قاتلة في الرأس، بينهم شقيقه الأصغر كريم وطفلان شقيقان من التابعية السورية (10 و15 عاماً) ووالدهما، قبل أن يتوارى مع شقيقه الآخر عن الأنظار.

اصطياد الضحايا
ما إن أبلغت الأجهزة الأمنية بالمجزرة الفظيعة، وعاينت جثث القتلى الذين اصطادهم الجاني بدمٍ باد، بدأت عملية التعقب والمطاردة بحثاً عن الفاعل، لكنها لم تعثر على أي أثر له ولشقيقه، بعد أكثر من 24 ساعة على الحادث المفجع، وترافقت عمليات البحث والتعقب مع التنقيب عن دوافع وخلفيات المجزرة، غير المبررة بأي حال من الأحوال. غير أن المعطيات المتوفرة للأجهزة الأمنية والقضائية، ترجّح حتى الساعة فرضية الجريمة الثأرية، إذ كشف مصدر أمني لـ "المدن"، أن "الخيوط الأولية ترجّح فرضية "جريمة الشرف"، وأن يكون المشتبه به مازن حرفوش، أقدم على قتل زوجته المغدورة منال تيماني، بسبب شكوك عن علاقة عاطفية تربطها بشخص آخر". وأشار المصدر إلى أن "المعطيات تشير إلى أن القاتل "اختار الوقت المناسب الذي يمكنه من الإجهاز على زوجته والقضاء على عشيقها المفترض في وقت واحد. فقد استغلّ وجودها بمفردها في غرفة النوم، وأقدم على ذبحها كي لا يثير انتباه طفلتيه أو الجيران"، لافتاً إلى أن الجاني "ما إن تثبّت من لفظ الزوجة أنفاسها الأخيرة، حتى تناول بندقية الصيد خاصته، وهي من نوع (بومب أكشن)، واتجه إلى حقل قريب من منزله حيث يعمل العشيق المزعوم، وقتله مع باقي الضحايا الذين طاردهم الواحد تلو الآخر، بينهم شقيقه الأصغر كريم حرفوش، الذي قتله بعد محاولة الأخير تهدئته ومنعه من استكمال مجزرته".

عمليات البحث والعقّب
وفيما تستمرّ عمليات البحث عن القاتل وشقيقه الآخر فوزي حرفوش، أوضح المصدر الأمني أن القوى الأمنية والعسكرية تستمر في عملية تمشيط المنطقة الحرجية المحيطة ببلدة بعقلين، مستخدمة الكلاب البوليسية وطائرات "درون" خصوصاً فوق المناطق الوعرة، وذلك بموازاة معاينة جثث الضحايا من قبل الأطباء الشرعيين والأدلة الجنائية والمباحث العلمية، بالإضافة إلى الاستماع إلى إفادات عدد كبير من الشهود، من أبناء البلدة، خصوصاً من تربطهم علاقات قربى وصداقة بالزوجة الضحية والزوج الجاني، لمعرفة خلفيات ودوافع الجريمة، وما إذا كانت نتيجة خلافات بينهما.

الأدلة الجنائية
ويشرف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، على مسار التحقيقات التي تجريها الأجهزة في هذا الصدد، ويعطي الأخير توجيهاته اللازمة لتوضيح بعض النقاط الغامضة. وأعلن مصدر قضائي لـ "المدن" أن "القوى الأمنية ضبطت السكين التي استخدمها مازن حرفوش في ذبح زوجته داخل المنزل، وأرسلت إلى مختبرات الأدلة الجنائية لإجراء التحليل عليها والتثبت من استخدامها في عملية قتل الزوجة". وأشار المصدر القضائي أن التحقيق "يركز على ما إذا كان أكثر من بندقية استخدمت في المجزرة، وهل ثمة ما يفيد بأن فوزي حرفوش شقيق مازن شارك في ارتكاب المجزرة وفرّ معه من مسرحها، وهو ما يبرر تواريه عن الأنظار".

الزوجة وسمعتها الطيبة
ولا يبدو أن فرضية "جريمة الشرف" تتقاطع مع معطيات أهالي بلدة بعقلين. إذ أفادت مصادر مقرّبة من عائلتي الجاني والضحية لـ "المدن"، أن الزوجة منال تيماني "تتمتّع بسمعة جيدة ولا يشوبها أي شبهات، وتحظى باحترام ومحبة كل عارفيها خصوصاً عائلة زوجها، وهو ما يزيد الغموض حول أسباب ودوافع الجريمة". ورجّحت أن يكون قتل الزوجة ناجم عن خلاف شخصي وآني حصل بين الزوجين، سيما وأن مازن حرفوش وإن كان ودوداً ومحبوباً من أصدقائه ومعارفه، الّا أنه يتميّز بطبع حادّ وسريع الغضب أيضاً". ولفتت المصادر إلى أن "أبناء عاليه يعرفون الشاب أكثر من أبناء بعقلين، بحكم عمله منذ سنوات بصفة حارس أمن في معهد AUCE الجامعي في عاليه، ويصفونه بأنه مزاجي وصاحب طبع حادّ للغاية، وسريع الغضب والانفعال ويتميّز بعصبية مزعجة للغاية".

سرّ غامض
ولا يستبعد عارفو الشاب الجاني وجود لغز أو قطبة مخفية، يصعب حلّها قبل توقيف مازن، وتتحدث المصادر المقربة من عائلتي الضحية والقاتل، عن "سرّ غامض" في هذه الجريمة المروعة، ولا أحد يجزم بحقيقتها سلفاً، ولم تستبعد المصادر إقدام الزوج على قتل زوجته "نتيجة خلاف مفاجئ حصل بينهما، خصوصاً وأن منال قُتلت داخل غرفة نومها، وأن الزوج سدد لها طعنات عدّة في أنحاء جسمها، وانتهى بذبحها". ولاحظت أن "ما يبرر وقوع الجريمة نتيجة حالة غضب فورية، هو أن مازن الذي خرج من المنزل متسلحاً ببندقية الصيد، لم يتردد في قتل شقيقه الأصغر كريم، لمجرّد أن الأخير حاول تهدئته، وتابع سيره نحو الحقل الذي أجهز فيه على بقية الضحايا"، مستغربة اختفاء فوزي حرفوش مع شقيقه، مشيرة إلى أن "هاتف فوزي لا يزال مفتوحاً لكن من دون الإجابة على الاتصالات التي ترده، ومن غير المؤكد ما إذا كان الهاتف بحوزته أو أنه وقع منه أثناء عملية الفرار من مسرح الجريمة".

منال المحبّة
ولم يستفق القريبون من الشابة الضحية منال تيماني من الصدمة، ولم يصدقوا أن تنتهي حياة "الزوجة المحبّة" بهذه الطريقة المأسوية، وسارع بعضهم إلى إعادة نشر تغريدة لها تعبّر فيها عن حبها وإخلاصها لزوجها. وتقول إحدى المقربات منها "منال الصبية اللي انقتلت، هيك كانت عم تحكي عن زوجها من شهر عن كل الحب الو دون تملق، منال منعرفها من غروب مغلق لدعم النساء ما كانت عارفة حالها رح تكون ضحية عنف متل اللي منحكي عنن". وجاء في تغريدة الزوجة المجني عليها: "إسمي منال وعمري 32 سنة. زوجي حبيبي ورفيقي وسندي الوحيد بهالحياة. وعنا أجمل بنتين بالدني، سيرينا خمس سنين وليليان سنتين ونص. أنا معلمة رياضيات. خلصت ماستر من سنة بدعم زوجي وماما أكيد، وناوية كمل دكتوراه". وتضيف منال في تغريدتها المعبّرة: "بحب كتير زور بيت جدي أهل بيي وعلاقتي فيهن وبعماتي وعمومتي بتجنن. عندي خالين ما بظن بالدني كلها في متلن. هني وجدي الله يرحمو، كانو حاملين مسؤوليتي بكل شي ماديا ومعنويا.. بس أكيد الفضل الأكبر كان لجدي".

زوجي الحنون؟
وحتى عند كلامها عن والدها، عادت منال للحديث عن علاقتها بزوجها قائلة: "تعرفت على زوجي بعد ما خلصت جامعة بسنتين، حبينا بعض، خطبنا حددنا موعد كتب الكتاب والعرس. لحد ما قبل بأسبوعين من كتب الكتاب بخسر يلي كان سندي ورباني وعلمني، وبس طمن بالو إنو صار في حدا حدي تركنا وراح. هلق وبعد 6 سنين بعدني كل ما إتذكرو ما فيي وقف بكي، كل ما شوف شيخ ختيار وعالعصاية بيكرجو دموعي بلا ما حس..
خوالي ما قبلو يأجلو الموعد، وصار كتب الكتاب بوقتو.. شلحت الأسود غصب عني لأن كان مفروض كون عروس وفرحانة.. هلق بقول الحمدلله، الله عوض عليي بجوزي وحنيتو...وبقول كمان الحمدلله عرفت إختار أفضل بي لولادي!! في ناس بفارقونا بس ذكراهن حلوة وناس بفارقونا وذكراهن بشعة وناس بفارقونا وما منتذكرن بالمرة، بس أكيد دايما قد ما تكون خسارتنا كبيرة الله بعوض علينا بالأحسن.. وشو ما صار معنا أكيد أكيد كلو لخير!!!!".
 
لا شرف لمرتكبها
وغداة كشف فصول الجريمة، وأعداد الأبرياء الذي سقطوا فيها، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات عبّرت عن رفضها لهذه المجزرة "غير المعهودة في المجتمعات اللبنانية"، وكان أكثر تعبيراً تلك التي عقّبت على وصفها بـ"جريمة الشرف"، وقال أحدهم "هذه ليست جريمة شرف، ولا تمتّ إلى الشرف بصلة، ارتكبها مجرم جزّار مريض نفسي.. جرائم الشرف صارت من الماضي، وكلّ من يبررها هو شريك في الجريمة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024