حزبيو النبطية يتظاهرون ليلاً إخفاءً لوجوههم

زينب كنعان

الأربعاء 2019/10/23
علا صوت الثورة في جميع المناطق اللبنانية، وطغت صرخة الوجع الناطقة بمطالب اللبنانيين التي لا تعد ولا تحصى من فرط فساد الحكّام، فكان صوت الوحدة جسرًا وطيدًا يجمع اللبنانيين كافة.

أغاني "الطّفار" البعلبكية
يطلق عليها البعض "مدينة الإمام الحسين"، أو مدينة المشهد الحسيني في العاشر من محرم. لأنها هي التي تشهد كل عام إحياء مراسم عاشوراء بأعداد كبيرة، وتسهر شوارعها ليلًا وترتدي السواد من أجل قضية الحسين.

لكن أهلها اليوم، أي أهل مدينة النبطية، عاصمة جبل عامل، رفعت صوت "الطفّار". وهذا اسم الفرقة الموسيقية البعلبكية التي انعقدت على إيقاعها في النبطية حلقات الدبكة، أمام السرايا الحكومية، إضافة إلى أغاني جوليا، وسواها من الأغاني الثورية.

واتسمت المبادرات الاحتجاجية التي شهدتها النبطية بالطابع الفردي. ناشطون كثيرون رفعوا صوت الثورة بمبادراتهم. والمبادرات هذه ألغت أصوات المشككين في صدق أوجاع وآلام أهالي النبطية، وسواها من أصوات الشعب اللبناني الذي نسبت الشائعات تحركاته الاحتجاجية إلى سفارات أجنبية. وجاء الجواب على ذلك من شباب النبطية الذين نزلوا إلى الشوارع.

أحمد هو من الأوائل الذين شاركوا في قطع الطريق المؤدية إلى النبطية. وها هو يخبرنا أن منسّق أغاني احتجاجات ساحة النبطية، أو (الدي جي) هو من أبناء المدينة، لا يتلّقى إلا القليل في مقابل تقديمه مكبّرات الصوت. والمبلغ يُجمع من الشباب أنفسهم، ألف ل.ل من هنا و500 ل.ل من هناك. ليس المبلغ كبيراً، لكنه يكفي لدفع ثمن البنزين للمنسّق (الدي جي) فقط.

لتعود النبطية أجمل
أمام السرايا افترشت الأرض يافطة بيضاء حملت تواقيع بعض الأشخاص وعبارات أخرى مثل "كلن يعني كلن"، "ثورتنا سلمية من قلب النبطية"، "بإصرارنا سيرجع لبنان أجمل".  

وشاركت في المبادرات التي أطلقت النشاطات الأولى فرقة "زفة" التي تقيم أنشطة فنيّة في النبطية. وهدف الفرقة كسر الصمت الذي فُرض على البعض مخافةً من بطش المنتمين إلى الأحزاب في المنطقة. والفرقة ساهمت في حشد الناس، فشاركوا النشاطات الاحتجاجية لحركة الثورة السلمية. وتولت الفرقة تنشيط حلقات الدبكة وتنظيمها أمام السرايا، فاحتشدت الجموع للمشاركة.

الليل وعلاقات جديدة
ويرى علي أن أجواء الاحتجاج الجديدة خرجت على الجو المعتاد في النبطية. فساحة السرايا في النبطية لم تشهد حلقات رقص ودبكة من قبل، بل كان يطغى عليها دوماً طابع الالتزام الديني. البعض احتج على هذه الظاهرة الجديدة، معتبراً أن الأغاني الثورية لا بأس بها. أما المحتجون فالأهم عندهم اليوم هو الاستماع إلى صوت الناس ومطالبهم.

واللافت في أحاديث الشبان هو كلامهم عن الفرص التي أتاحها لهم التظاهر للتعرف إلى وجوه جديدة من مناطق مجاورة، ومن داخل النبطية حتى. فأحد الشبان لم يكن يتصوّر يومًا أن يكوّن علاقة صداقة مع بعض الأشخاص، نظرًا لاختلاف توجهاتهم السياسية. فبعض المنتمين للأحزاب شاركوا في الاعتصام، محتاطين خائفين من أن تظهر وجوههم واضحة في الواقع وفي الصور. وعلى الرغم من الحذر، فإن كثيرين تجرؤوا وشاركوا. وهذا ما تكاثر ليلاً. لذا تكون التظاهرات والاعتصامات الليلية أوسع وأقوى وأمتع من النهارية.

وعلى الرغم من أن البعض قد فتحوا متاجرهم، ونسبة من الطلّاب عاشت يومًا مدرسيًا عاديًا، لكن الناس ما زالوا يتوافدون إلى الاعتصام أمام السراي لرفع راية لبنان: علمه الرمز الذي يُفرح الأهالي تلويحهم به في الساحة، كأنهم بذلك يؤكدون انتماءهم إلى لبنان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024