نتائج فحوص كورونا الخاطئة: هامش الموت وانتشار العدوى

نادر فوز

الثلاثاء 2020/07/28
توالت اليوم الإثنين أنباء أخطاء فحوص كورونا. أولاً، النائب جورج عقيص الذي أرعب الدوائر السياسية والنيابية. ثانياً، أكثر من عشرة فحوص في قرطبا. ثالثاً، مواطن عادي جاءت نتيجته موجبة في لبنان، عاد إلى ألمانيا وخضع للفحص وظهرت سالبة. ثمة أزمة جدية على هذا الصعيد، تضرب ثقة اللبنانيين بسلطاتهم المختلفة، وهي الثقة المعدومة أساساً في أغلب المجالات. وإن كانت النتائج الخاطئة ظهرت اليوم على مستوى أنها سالبة لا موجبة، فماذا عن تلك التي انعكست القاعدة فيها؟ نتائج ظهرت سالبة وهي موجبة، أصحابها يعيشون حياةً طبيعية في البيت والشارع والأفران والبنوك وسائر المؤسسات الأخرى. ولا بد من ربط هذه الحالات تحديداً في كل ما يصدر عن وزارة الصحة بشأن الحالات غير المعروفة المصدر.

هامش الخطأ
تشير دراسات عديدة إلى أنّ هامش الخطأ في فحوص SARS-CoV-2 RT-PCR (المعتمدة في لبنان)، كبير جداً. يتفاوت هامش الفحوص السالبة الخاطئة ليصل إلى حدّ 67% في الأيام الخمسة الأولى من تعرّض المصاب للفيروس. ويتدنى الهامش إلى 21% بعد مضي 8 أيام على الإصابة، لتعود وترتفع نسبة الخطأ بعدها. يعني ذلك، أنه بأحسن الأحوال نتيجة واحدة من بين خمسة سالبة هي نتيجة خاطئة.

الأخطاء المحلية
وهذه النسب مؤهلة للارتفاع بفعل أخطاء بشرية أو تقنية، تحديداً في عملية أخذ العيّنات بحيث يمكن أن تكون غير صالحة، أو حتى في حفظها قبل تحليلها. كما يوضح مختصّون عاملون في مجال الاختبارات الطبية لـ"المدن"، إلى أنّ هامش الخطأ في الفحوص معرّض للارتفاع في لبنان "لكون مختبرات أساسية تجري الفحوص بحثاً وحدة وراثية واحدة، في حين يجب البحث عن 3 وحدات للتأكد من سلامة الفحص والمريض". وتحديداً مع الفيروسات القابلة للتعدّل الجيني، مثل كورونا، قد يصبح البحث عن جين واحد أشبه بضياع للوقت والمال، ورفع مخاطر انتشار العدوى وتفشّيها، نتيجة الفحص الخاطئ الذي سيصدر. ويضيف أحد هؤلاء المختصّين إنّ السلطات الصحية المعنية لم تعلن بعد عن النظم اللازمة بخصوص فحوص كورونا. فيرفع هذا الأداء هامش الموت وانتشار العدوى. 

ثقة مفقودة
بات لبنان يعيش في حالة هيستيرية نتيجة التفشّي السريع والمتصاعد والأرقام المرتفعة اليومية التي يتمّ تسجيلها. كما أنّ الأخطر هو في تأكيد وزير الصحة على وجود "222 إصابة في القطاع الصحي بين أطباء وممرضين وموظفين".

لا نعرف إن كان هذا الرقم يشمل أيضاً عمّال الإغاثة الصحية مثل الصليب الأحمر والدفاع المدني وغيرها من المنظّمات المعنية. أما الملاحظات حول أداء الوزارة فيأتي ليكمّل السيرة غير الحسنة تحديداً في ظروف كورونا. فبين آذار وحزيران الماضيين، لم تعمل الوزارة على مضاعفة تجهيزاتها وقدرات القطاع الصحي الرسمي لمواجهة الوباء. تم الإعلان عن افتتاح غرف أو أقسام خاصة للعزل واستقبال المصابين، من دون عمل الوزارة على الجانب الأهمّ وهو توسيع لوائح المختبرات المعتمدة وأسرّة العناية المركزّة وأعداد أجهزة التنفّس الاصطناعي. حتى أنّ أقضية بحالها متروكة لمصيرها من دون دعم المشافي الحكومية فيها. يوضح كل هذا حجم الثقة المفقودة بوزارة الصحة والحكومة، وحجم الهلع الذي على اللبنانيين مواجهته خصوصاً حين صدر عن وزير اللا هلع.

وزير اللا هلع
في الأشهر الأخيرة، ظهر وزير الصحة حمد حسن في مناسبات عديدة للتأكيد على أنّ لا ضرورة للهلع في ظل ارتفاع إصابات كورونا. قال في إحدى المناسبات إنّ الانتصار على الفيروس تم، والإعلان عن الأمر سيكون بغضون أيام. ثم عاد وأطلّ الأسبوع الماضي للتأكيد على أنّ الهلع بات ضرورياً. لكن في متابعة حركة الوزير، يمكن فهم نشاطيته في ترؤس اللجان واجتماعاته. على الأقل سبع لجان: اللجنة الوطنية والفنية لمتابعة التدابير والإجراءات لمكافحة فيروس كورونا، اللجنة المختصة بمكافحة العدوى، لجنة علماء لبنان لمكافحة كورونا، اللجنة العلمية لمكافحة الأوبئة في وزارة الصحة العامة، اللجنة الوطنية للأمراض المعدية، اللجنة العلمية في الوزارة، اللجنة الوطنية للأمراض الانتقالية.

لم يخرج أحد من وزارة الصحة أو فريقها، للقول للبنانيين إنّ إجراء الفحوص يجب أن يؤجل قدر الإمكان لتخفيض هامش الخطأ فيها. لم يخرج عليهم أحد للقول إنّ الزحمة على أبواب المختبرات والمستشفيات للخضوع للفحوص يساهم في نشر كورونا، وإنهاك هذا القطاع. لم يخرج عليهم أحد من السلطة للقول إنها فشلت في إدارة المعركة، وإنّ مناعة القطيع ملجأ أخير لأنّ لا حول لها ولا قوّة.  

يخلص معنيون في القطاع الصحي بالقول إنّ "سوء الإدارة وقلّة المسؤولية عاملان أساسيان للتخبّط الصحي الحاصل في البلد". يقدّم هؤلاء العديد من الروايات عن كيفية تعامل مدراء أساسيين في الوزارة والمختبرات المعنية والمستشفيات وغيرها، مع ملف كورونا. نتيجة ذلك واضحة للبنانيين في مسار مواجهة الفيروس وتفشّيه، في كونهم متروكون لمواجهة مصيرهم وتدبّر أمورهم بأنفسهم، كما هو عليهم تدبّر أمورهم الاقتصادية والمعيشية والزراعية بأيديهم. لكن يبقى عليهم أولاً أن يضعوا الكمامة بحسب إرشادات الوزير.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024