طلاب زحلة يشاكسون الأهل ويخرجون من مدارسهم

لوسي بارسخيان

الخميس 2019/11/07

أظهر "يوم الطلاب" في ثورة اللبنانيين لنيل حقوقهم بزحلة، أن تلاميذ المدينة قد يكونون أكثر وعياً لحقوقهم، وفي بعض الأحيان أكثر نضجاً وجرأة من السياسيين، وأشد إصراراً على عدم الاستسلام لأي محاولة تحاول سلب هذا الحراك، أو وضعه في خانة هذا الحزب أو غيره، متحصنين بكتاب تربية يحدد لهم حقوقهم وواجباتهم، لتكون ثورة 2019 أول تجربة عملية لهم في الحياة الواقعية.

على إحدى اللافتات التي رفعها طالب خلال تجمع للتلاميذ الزحليين، هو التجمع الأكبر منذ انطلاق الثورة، كتب أحدهم: "ما بدي إتعلم عن تاريخ الحرب العالمية، بدي إكتب تاريخ الثورة السلمية". لا شك سيكون لهؤلاء التلاميذ ما سيخبرونه للأجيال التي ستعقبهم، سواء أتت هذه الثورة بنتائجها التي يرجوها اللبنانيون، أو لم تأت. سيخبرون عن قصة شعب انتفض في يوم من الأيام على كل واقعه، وألزم حتى من عارضوا ثورته، على الاعتراف بأحقية مطالبه، وعن دور لعبه تلاميذ المدارس في هذه الثورة، لم تحجّمه لا تهديدات "ريسة مدرسة" ولا سلطة كان قلقهما ليس ضياع سنة دراسية، بل خوفهما من ضياع الجهود التي بذلاها منذ أعوام لزرع أفكار في عقولهم، لم تأت بشيء، سوى أنها عمقت الشروخ بين اللبنانيين، تحت رايات زعماء أحزاب وطوائف، أكبر إنجازاتهم أنهم زادوا من فقر اللبنانيين وحرمانهم، فقراً حرماناً.

معاكسة الأهل
مفاجئ إذا جاء تحرك تلاميذ مدارس زحلة خصوصاً. وجاء صوتهم الذي صدح في ساحة السراي الحكومي، ليقضي على ذلك الصمت، الذي أوحى لأيام بأن لا صوت لزحلة في ثورة اللبنانيين. فأخاف هذا الحراك حتى بعض الأهل الذين ركبوا الباصات دعماً للسلطة ورموزها قبل أيام، ليسارعوا عبر صفحاتهم الالكترونية إلى اتهام مدارس باصطحاب أولادهم إلى هذا الحراك، وباستخدامهم لغايات سياسية، علماً أن بعض هؤلاء الأهل القلقين على أولادهم، كانوا وما زالوا مصرين على اصطحاب أولادهم، مع الشعارات التي يلقمونهم إياها، إلى ساحات "التفرقة".

قد تكون بعض مدارس زحلة انجرفت بحماسها للحراك الشعبي، إلا أن أساتذة لبنان وإداريي هذه المدارس، كما تقول أستاذة تحفظت عن ذكر إسمها، هم من الناس، وهذه الموجة الشعبية هي كالطوفان الجارف الذي ليس هناك طائل من مقاومته. ومن هنا تعترف الأستاذة، نعم نحن اصطحبنا تلاميذنا بشكل حضاري، محملين إياهم شعارات تزيد من وطنيتهم، وتقوي حسهم بالمسؤولية تجاه هذا الوطن، وتزيد معرفتهم بحقوقهم، التي تختصرها الشعارات التي رفعها التلاميذ، والتي نقوم بتدريسها بالكتب المدرسية.

بكل اللغات
لم يظهر أي تلميذ في الحراك مغلوباً على أمره مثلاً، ولا بدا أن همهم الأول التفلت من اليوم الدراسي الأول بعد انقطاع فرضه الحراك الشعبي في الأيام الماضية، بل أصر الكثيرون على التعبير عن تطلعاتهم للبلد الذي يريدون أن يكملوا فيه حياتهم، فكانت هذه أبرز الشعارات التي رفعوها على لافتاتهم: ""ليش بدنا ندرس لمستقبل مش موجود"، "بحقلنا نتعلم بس أكيد مش بالقوة، وطنا عم يتألم، صرخة شعبه بتلوي"، "إذا كنت طالب مش يعني ما عندي مطالب"، "الطلاب نبض الثورة"، "ما تخوفونا بال presence نحنا بالثورة essence تركوني بدي عبر"، "منعتذر يا إدارتنا نحن ما خالفنا الأوامر، نحنا عم نطالب بحقوقنا"، "you took my childhood don’t take my future"...

يخبر هؤلاء التلاميذ في المقابل، عن ليلة التحضير لثورتهم، والتي انطلقت عبر ما تحول "بلوة" السلطة الأولى "تطبيق واتساب"، الذي صار أيضاً أحد محركات الثورة، من خلال مجموعات تفاعل، تشكل مساحات نضال مشتركة، يتوافقون من خلالها بالحوار، حتى من دون أن يكونوا على معرفة ببعضهم البعض، ويتبادلون الآراء أحياناً حول سبل تفعيل ثورتهم وإيصال أصواتهم بشكل أفضل، ما يترك انطباعاً لدى كل فرد في أي مجموعة أنه "مدير الثورة كلها، وليس فقط ممولها".

رعاية أبوية
وإذا كانت هذه هي حال التلاميذ الذين أبدوا كل انضباط أمام سراي زحلة الحكومي، حيث انضم إليهم أيضاً تلاميذ القرى المجاورة، وسط طوق أمني، أحاط الساحة بـ"رعاية أبوية"، بقي السؤال، لماذا خاف البعض من "ثورة التلاميذ"، إلى حد وصف الحراك بالـ"مشبوه". وهل المطلوب أن تبقى زحلة صامتة متلقية وغير فاعلة، حتى لو كان هذا الصمت في المدينة يقتل أهلها، ويحرمهم من دور آخر في التاريخ، كذلك الذي لعبته قبل مئة سنة عندما شكل ضم الأقضية الأربعة من زحلة مقدمة لإعلان دولة لبنان الكبير وولادته؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024