موظفو القطاع العام يحتلّون عيد العمال

وليد حسين

الأربعاء 2019/05/01
يتزامن عيد العمال هذا العام مع نقاش مجلس الوزراء لمشروع الموارنة العامة للعام 2019. موازنة أرادها "مجلس إدارة لبنان" متقشّفة ومؤلمة، لسدّ العجز الحاصل جرّاء السياسات الاقتصادية المتعاقبة، على بلد منهوب الموارد، يتغلّل الفساد فيه حتى نخاعه الشوكي. وعلى عكس الطقوس "اليساريّة" المتعارف عليها لهذه المناسبة، لإحقاق حق العمال و"الشغيلة"، يبدو العيد في حلّته اللبنانية أقرب إلى انتفاضة العاملين في مؤسسات الدولة على الدولة، التي قرّر "مجلس إدارتها" تخفيض موازنتها، عبر الاقتطاع من أجور موظّفيها، لسدّ العجز القائم، تماشياً مع الشروط الجديدة لديون مؤتمر سيدر وإصلاحاته.

تظاهرة الشيوعي
احتفالية، رموزها الفعليّون الذين سينزلون إلى الشارع انتفاضاً، ليسوا عملياً من أصحاب العيد، أي العمال الفعليين، العاملين في المؤسسات الإنتاجية الخاصة. فهؤلاء غائبون عن ساحات الاعتصام والتظاهر، باستثناء الحزب الشيوعي اللبناني الذي يدّعي تمثيلهم، والذي دعا إلى تظاهرة شعبيّة، إسوة بالاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين، الذي قرّر الانطلاق من أمام مقّره في وطى المصيطبة في تظاهرة ستنضمّ إلى تحرّك الشيوعي الساعة الرابعة بعد ظهر يوم الأربعاء، الأول من أيار، من أمام المتحف وصولاً إلى ساحة الشهداء.

اعتصام ساحة الشهداء
الدعوات للتجمّع في ساحة الشهداء مختلفة ومتعدّدة، باختلاف الجهات الداعية للاحتفال بعيد العمال. فقد أدّت الظروف الحالية لتهالك الدولة، والإجراءات "العلاجية" التي تريد الحكومة اتخاذها، إلى ازدياد الفئات المتضرّرة التي دعت إلى الاعتصام في ساحة الشهداء، من دون وجود جامع مشترك بينها، لتوحيد المطالب والشعارات والسير في التظاهرة. وحسب مصدر قيادي في الحزب الشيوعي، جرت محاولات لتوحيد التحرّك. لكنّ كثرة الدعوات والداعين جعلت الأمور معقدة. بالتالي، جرى تنسيق لوجستي وميداني مع المجموعات المعروفة لتنظيم التحرّك في ساحة الشهداء. أما المشاركة في التظاهرة الشعبيّة، فستقتصر على الشيوعيين وبعض القوى اليسارية، ذلك أنّ معظم المجموعات المدنية التي تواصلت معها "المدن"، أكّدت عدم مشاركة الشيوعي في الدعوة إلى التظاهر، بسبب محاولاته احتكار الشارع وعدم التزامه بتوحيد الشعارات والمطالب.

دعوات كثيرة
بموازاة تظاهرة الشيوعي، التي ستنتهي في ساحة الشهداء في احتفال فنّي وباعتصام دائم يستمر حتى نهار السبت، ينظّم الائتلاف الشعبي ضد المقالع والكسارات (يضم مجموعات: المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، وهيئة المبادرة المدنية (عين دارة)، و لجنة كفرحزير البيئية، والحملة الوطنية لإنقاذ جبل الريحان، والحراك البيئي في كفرسلوان، و حراك المتن الأعلى، وقب الياس بتستاهل)، اعتصاماً في ساحة الشهداء عند الساعة الثانية عشرة، وذلك استنكارا لسياسة الحكومة المدمّرة لما تبقّى من لبنان الأخضر، وللإعلان عن تفاصيل الطعن الذي تقدّم به الائتلاف إلى مجلس شورى الدولة بهذا الخصوص. وأكّد المرصد الشعبي لـ"المدن" أنّ الاعتصام سيكون مفتوحاً وسيتمّ نصب الخيم في ساحة الشهداء حتى تحقيق المطالب. إلى هؤلاء ستنضم بعض المجموعات الطلاّبية والسياسيّة والنسويّة، بالإضافة إلى العسكريين المتعاقدين الذين سيستمرون في الاعتصام في الشارع، وسط التهديد باتخاذ إجراءات تصعيدية لشل المرافق العامة الحيوية في الدولة.

عيد القطاع العام 
في الأول من أيار، تبدو "الاحتفالية النضالية" للعيد، أي الاعتصام والتظاهر والإضراب، مقتصرة على موظفي القطاع العام، رغم كون الثبات الوظيفي والتقديمات الاجتماعية التي يحظون بها، أفضل بعشرات المرّات من موظفي القطاع الخاص وعمّاله، المموّلين الفعليّين للدولة وخزينتها، غير الحاصلين على رواتب توازي رواتب العاملين فيها. فالمتقاعدين العسكريين، افتتحوا "احتفاليات" عشيّة الأول من أيار بالاعتصام والتظاهر، وسط تهديد بالبقاء في الشارع، في حال مسّت الإجراءات التقشفية امتيازاتهم المالية وتقديماتهم الاجتماعية. أمّا "اتحاد النقابات العمّالية في المؤسّسات العامة والمصالح المستقلة"، فقرّر الإضراب العام والإقفال التام في جميع المؤسّسات العامة والمصالح المستقلّة لثلاثة أيام، بدءاً من الخميس المقبل في 2 أيار، رفضاً "للمساس بالرواتب والتقديمات الخاصة بالعاملين في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، والإدارات العامة كافة". كما أعلنت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية تضامنها الكامل مع كل فئات الشعب اللبناني، داعية إلى توحيد جهودها والتنبّه إلى مخاطر التفريق بين مكوناتها، حتى أنّ أحد الأساتذة في الهيئة كشف في حديث إلى "المدن"، أن الأساتذة في مجالس المندوبين، التابعين للقوى السياسية الممثلة في السلطة، يصرّون على تنفيذ خطوات تصعيدية، بما فيها الإضراب العام الدائم لتحقيق المطالب، لكن لم يتمّ التوافق على هذه الخطوات. بينما الاتحاد العمالي العام، الذي يفترض أنّه يمثّل العمّال، فقرّر تنظيم احتفالية أمام مقرّه في منطقة كورنيش النهر، خصّصها للخطب السياسية. ورئيسه بشارة الأسمر، الذي أعلن مقرّرات الإضراب العام في المؤسسات العامة والمصالح المستقلة، لم يلتفت إلى أنّ الإجراءات التقشفية ستصيب العمال والموظفين في القطاع الخاص، الذين ستتآكل رواتبهم وتنخفض قدراتهم الشرائية أكثر من الموظفين العموميين، الحاصلين على سلسلة الرتب والرواتب. كما لو أنه على موظفي القطاع الخاص تحمّل تبعات الأعباء الضريبية، وليسوا بحاجة إلى نقابات تدعوهم للإضراب العام.

المنتفضون الفعليون في الشارع هم موظفو القطاع العام، لكنهم ينتفضون على الدولة لا على الفاسدين وهادري المال العام فيها. فرفع الصوت ضد الفساد والهدر الذي تتفوّه به نقاباتهم لا يأتي على ذكر الجهات الفاعلة، المعروفة الاسم والانتماء السياسي والطائفي. فتلك النقابات، التي تسيطر عليها القوى السياسية الحاكمة، تلغو ما يرغي به معظم المسؤولين السياسيين عن الفساد والهدر. أما موظفو القطاع الخاص، وهم بمعظمهم عمّال، فسيستغلّون عطلة العيد لقضاء وقت ممتع في يوم مشمس، تاركين الاحتفال بالعيد في الشارع لموظفي الدولة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024