طلّاب الجامعة اللبنانية: صرح غير مطابق للمواصفات

علي زين الدين

الثلاثاء 2018/11/20
 

بعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيس الجامعة اللبنانية، بات هذا الصرح الأكاديمي مترهّل ويعاني من مشاكل على الصعد كافّة، هذا رغم كون مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية شهدت إفتتاح فروع وكليات جديدة ودخول تخصصّات حديثة لم تكن قائمة في السابق. وإذا كانت الجامعة قد لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ لبنان الحديث، سياسياً، خاصّة في مرحلة السبعينيات، وأكاديمياً عبر تخريج آلاف النخب والطلّاب الأكفاء، إلا انها باتت تعاني من واقعٍ مزرٍ حالياً.

 

على المستوى الأكاديمي، وضعت لجان خاصّة مناهجاً جديدة للجامعة، ورفعتها إلى مجلس الوزراء، بعد أن باتت المناهج القديمة بالية. لكن المسؤولين وضعوا هذا الملف في الأدراج وطواه النسيان. وإضافة إلى إعتماد معدّات ومختبرات قديمة، ونوعيّة الاختبارات لا تتوافق مع ما يدرسه الطالب في الصف، ما زال آلاف الطلّاب يدرسون وفق المناهج القديمة.

 

وعلى مستوى إعداد الطلّاب للدخول إلى سوق العمل، تفتقر الجامعة إلى وجود آليات لتحضير الطلّاب إلى الحياة العملية، سواء كان لناحية مهارات التواصل أو لناحية الإعداد اللغوي وتقوية اللغات الأجنبية. كما يغيب عن الجامعة مكاتب تعنى بتوظيف الطلّاب وربط الخريجين بالوظائف المتاحة في سوق العمل.

 

على الصعيد الاجتماعي تفتقر الجامعة إلى المستلزمات الضرورية لحياة اجتماعية طلّابية طبيعية. فالمساحات المخصصة لتلاقي الطلاب شبه معدومة. ولا يمكن الاستفادة من العديد من المرافق المقفلة مثل المسابح وملعب كرة القدم. ناهيك عن عدم السماح للتجمّعات الطلّابية في بعض الفروع. فالأنشطة الموسيقية وإقامة الاحتفالات الفنّية ممنوعة في الكليات التي تسيطر عليها التعبئة التربوية لحزب الله. ومن تسوس له نفسه إقامة مثل تلك الأنشطة، الممنوعة علناً من طلاب التعبئة التربوية، عليه مواجهة مصيره المحتّم.

يقول طالب في كلية الهندسة في الحدث، فضّل عدم الكشف عن اسمه، تجنباً لما قد يناله من "شباب التعبئة": "لقد رأينا جميعنا ماذا حلّ بأصدقاء طالب في الهندسة، وافته المنيّة العام الماضي، عندما قرروا تكريمه على وقع اغنيات "فيروز"، إذ هبّ "شباب التعبئة" لمواجهتهم مهددّين بتكسير مكبرات الصوت، وفضّوا تجمعهم بالقوّة".   

 

هذا ويفتقر فرع الحدث، الذي يعتبر من اكبر الفروع في لبنان، إلى كافيتريا لتلاقي الطلّاب واختلاطهم. كما أن صيانة المباني شبه غائبة، إذ غمرت مياه الشتاء العام الفائت معظم قاعات المحاضرات، والتي تعاني بدورها من قلّة تنظيم وسوء إدارة.

وحسب طلّاب السكن الجامعي، المعاناة مع الصيانة وفرق عملها لا تعدّ ولا تحصى. فتبديل "لمبة" قد يستغرق أياماً وأسابيع، ما يؤدّي غالباً بالطلّاب إلى دفع تكاليف إضافية على الصيانة لتسيير حياتهم اليومية. أما الفراش فبات مهترئاً، إذ مضى أكثر من اثني عشر عاماً عليه دون تبديل، ما جعل بعض الطلّاب يستبدلونه على نفقتهم الخاصّة، كما حصل العام الماضي؟!

يقول الطالب في "الهندسة" آدم رالف نجم: "عندما نريد تناول الطعام أو حتّى شراء زجاجة مياه، خلال فترات الاستراحة،  علينا ان نقطع مسافات طويلة للوصول إلى المتاجر خارج الحرم الجامعي، وهذا يؤدّي إلى إضاعة الوقت والدخول متأخرين إلى الصفّ، لكن الأساتذة لا يتفهمون هذا الامر".  

 

إضافة إلى المشاكل الآنفة الذكر تفتقر الجامعة اللبنانية إلى مساحات التعبير السياسية، وتمثيل الطلاب في المجالس الطلّابية، غير المنتخبة، تفتقد للشرعية، لا سيما أن الانتخابات الطلّابية محظورة وغائبة منذ سنوات طويلة. إذ يصار إلى تقاسم هذه المجالس بين الأحزاب السياسية المسيطرة، حسب الفرع أو الكلية. وليس للطلاب أي وسيلة تواصل بديلة مع الإدارة خارج تلك المجالس، التي لا تقوم بدورها أساساً. وحسب نجم، الناشط في "نادي سما"، "يتعامل مجلس طلّاب الفرع مع الطلاب بطريقة غير لبقة ابداً. ووصل الأمر بمجلس طلاب كلية العلوم- فرع الحدث إلى وضع لافتة على باب غرفة مكتبهم، يطلبون فيها من الطلاب عدم الإزعاج، أي الدخول علماً أنه يفترض بهذا المكتب أن يكون لتلقي الشكاوى". وأضاف "باتت الحريات مقموعة في الجامعة خاصّة في ظلّ وجود رقابة أمنية من جهاز مخابرات الجيش على النشاطات، وسبق لهذا الجهاز أن رفض العديد منها".

 

يعتبر الطلّاب التي إلتقتهم "المدن" أن بعض الكليات تتعرّض للتهميش، وأخرى تنعم بالإهتمام الخاص، تبعاً لإنتماء الإدارة إلى طوائف معيّنة. وحسب أحد الطلّاب، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، عُقدت ندوات ونُظّمت نشاطات رسمية في الجامعة اللبنانية خلال العهد الحالي للرئيس ميشال عون، لكن لم يدع إليها إلا طلّاب من كلّيّة الطب و الصيدلة و طب الاسنان، فهل هي مجرّد صدفة أن الإداريين في تلك الكليات مسيحيو؟ ولماذا تمّ تجاهل باقي الكليات ومنعها من المشاركة في هذه النشاطات؟"   

 

في مسيرتها الطويلة خرّجت "الجامعة الوطنية" عشرات آلاف الطلاب والنخب، لكن تردّي أوضاعها جعل الطلّاب ينظرون إليها كما لو أن وجودهم فيها عبارة عن تضحية بمستقبلهم. فهل اصبح التعليم في الجامعة اللبنانية ضريبة يدفعها الطلّاب المعوزين أو غير القادرين على تحمل أقساط الجامعات الخاصة؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024