رد من وزارة الطاقة والمياه على تقرير "المدن"

المدن - مجتمع

الأربعاء 2019/08/28
جاءنا من وزارة الطاقة رداً على مقال "صفقات السدود: خطط وهمية بأرباح خيالية.. ولا مياه"، ننشره كما وردنا حرفياً:

"طالعنا موقع المدن الالكتروني بتاريخ 21/8/2019 بمقالة بعنوان: "صفقات السدود: خطط وهمية بأرباح خيالية... ولا مياه" ذكرت فيها مجموعة من المغالطات والادعاءات والتهجمات الساخرة التي اتخذت في معظم الأحيان منحى التهجم الشخصي البعيد كل البعد عن المقاربة العلمية الجديّة التي يفترض اتباعها عند مناقشة ملف دقيق وحيوي يمسّ بالأمن المائي الوطني كملف السدود، في وقتٍ يجمع المحللون على أن حروب المستقبل لن تكون في سبيل النفط ولا الجغرافيا بقدر ما ستكون حروباً على الثروات المائية.

لذلك تجد وزارة الطاقة والمياه نفسها مجبرةً على الردّ على هذه المقالة بالرغم من أنها تنأى بنفسها عن الدخول بدوامة الردود والردود المضادة. وبالتالي تأمل الوزارة بأن يتم نشر هذا الردّ على صفحتكم بموجب قانون المطبوعات اللبناني واحتراماً لمبدأ حق الردّ.

الأثر البيئي والتوصيات
بدايةً أفرد كاتب المقالة مساحةً واسعةً للتكلم عن سدّ جنّة وما أسماه بالتوصيات بعدم بنائه والنتائج السلبية لعملية بناء واستثمار السدّ والبحيرة. يهمّ وزارة الطاقة والمياه أن توضح للرأي العام وللمرة الألف أن مؤسسة الـ BGR الالمانية أعدت دراسة لحماية حوض مغارة جعيتا من التلوث وخلصت بموجب دراستها الى وجود صلة بين نهر ابراهيم وحوض مغارة جعيتا أي انه بالإمكان تسرب المياه من حوض نهر ابراهيم نحو حوض مغارة جعيتا ومنه الى نبع جعيتا، الا ان الدراسات التحققية التي أوصت باجرائها لجنة الأشغال والطاقة والمياه النيابية والتي قامت بها وزارة الطاقة عبر حفر آبار استقصائية تحت مستوى النهر وضخ المواد التلوينية ومراقبة الينابيع، معطوفةً على دراسة الاستشاري Poyry المتخصص بدراسات الأثر البيئي أكدت عدم صوابية هذا الاستنتاج مستندةً بذلك الى الاستقصاءات الجيولوجية وتجارب التلوين وغيرها من التقنيات المعتمدة عالمياً. 

تجدر الاشارة هنا أن وزارة الطاقة والمياه قد أرسلت دراسة الأثر البيئي المعدّة من قبل Poyry الى وزارة البيئة بموجب الكتاب رقم 477/و تاريخ 31/1/2017 وقد ردّت وزارة البيئة بكتابها رقم 3034/ب تاريخ 17/4/2018 أنها لا ترى مانعاً من استكمال تنفيذ المشروع، كما جرى ابلاغ مقام مجلس الوزراء بموقف وزارة البيئة الأخير على ضوء دراسة الأثر البيئي بموجب كتاب وزارة الطاقة والمياه رقم 7030/و تاريخ 30/7/2018.

ان دراسة تزويد منطقة بيروت بمياه الشرب لم يكن من ضمن مهام مؤسسة الـ BGR اذ ان مهامها شملت دراسة حماية حوض جعيتا من التلوث ولكن هذه المؤسسة تقدمت من ضمن دراساتها ببعض التوصيات الفنية حول زيادة كمية مياه نبع جعيتا خاصة في فترة الشحائح، لذلك كان من الانسب ان لا يجتزئ الخبير المذكور توصيات هذه المؤسسة بالنسبة للسدود عندما أشار الى انها "أوصت باستبدال سد جنة بسد في منطقة داريا فقط" بل أن يذكر بكل موضوعية أنها اشارت في تقاريرها المتوفرة على صفحتها الالكترونية وخاصة التقرير المعنون:

 "Water Balance for the Contribution Zone of Jeita Spring using WEAP الى وجوب انشاء خمسة سدود في الوديان بين قضاءي المتن وكسروان مقسمة إلى قسمين :

• القسم الاول يستعمل لتغذية حوض مياه نبع جعيتا وهو مؤلف من أربعة سدود في بقعاتا (ارتفاع السد 80 متر) وفيطرون (ارتفاع السد 65 متر) وكفردبيان (ارتفاع السد 100 متر) وزبوغا (ارتفاع السد 100 متر) وذلك بسعة تخزين تبلغ 21 مليون متر مكعب تستعمل لتغذية نبع جعيتا خلال فترة الشحائح.

• القسم الثاني ويتضمن سد داريا لتخزين المياه بحدود 9 مليون متر مكعب سنوياً.

فهل سأل الخبير المذكور نفسه عن كلفة هذه السدود الخمسة المشار اليها أعلاه وعن كمية المياه التي تؤمنها وهي تعود بمعظمها لسدود لتغذية المياه الجوفية أي انه ليس هناك أية طريقة للتحكم بهذه المياه في فترة الشحائح كونها تسيل طبيعياً في جوف الأرض ما قد يؤدي الى نقص في الانتاج في حال حصل طلب اضافي على المياه.

سد جنّة والحفريات
وإذا سلمنا جدلاً ان هناك صلة بين وادي نهر ابراهيم وحوض جعيتا، وهذا أمر غير ثابت، فان موضوع انشاء سد جنة يتماشى مع اقتراحات الـ BGR، اذ ان سد جنة سوف يغذي نبع جعيتا وهذا المبدأ اعتمدته مؤسسة الـ BGR باقتراحها انشاء أربعة سدود لتغذية نبع جعيتا.

كما انه من الملفت للانتباه ايضاً ان الخبير المذكور، الذي يعتبر ان التقرير الذي اعدته الامم المتحدة في العام 1970 هو المرجع الصالح الوحيد لموضوع المياه في لبنان، لم يذكر ابداً ما ورد في الصفحة 178 من هذا التقرير والذي يقترح انشاء سد جنة كجزء من حل مشكلة المياه في بيروت الكبرى، وهذا اقرار واضح وصريح من قبل الخبراء الذين أعدوا التقرير المخصص للمياه الجوفية في لبنان ان اللجوء الى استعمال المياه السطحية المخزنة لتزويد بيروت بالمياه هو الحل الانسب.

أما من الناحية البيئية فان من اللافت أن سدّ جنة لم يستوجب بناؤه استحداث مقالع كما هي العادة في هذه المشاريع الكبرى اذ ان مواد بناء المشروع تمّ تأمينها من ناتج الحفريات العائدة للأساسات ومن المواد التي جرى استخراجها من مجرى النهر في موقع البحيرة، حيث يصار حالياً الى اعادة استعمالها، بعد معالجتها، في صناعة الخرسانة المحدولة.

ان اتمام الحفريات في قعر نهر ابراهيم عند موقع السدّ بهدف الوصول الى القاعدة الصخرية ومعالجة أية شوائب في الأساسات في حال وجودها كان من التحديات الهندسيّة الأساسية في تنفيذ المشروع، وقد أكدت رؤيتنا لهذه الأساسات الصخرية عند كشفها على عمق 60 متراً صحة دراساتنا لجهة صلاحيتها لإقامة السد بكل أمان عليها، وهي خير متكلّم لمن أراد الاطلاع عليها.

سدود ممتلئة
أما القول ان السدود المنفذة حتى تاريخه لم تجمع أية نقطة ماء فإننا ندعو الخبير لزيارة سد شبروح الذي ومنذ انشائه يخزن أكثر من 8 ملايين متر مكعب من المياه في السنة ويلعب الدور الرئيسي بتأمين مياه الشفة لأهالي كسروان وهو ما زال حتى اليوم اي منتصف فصل الصيف يحتوي على حوالي 6 ملايين متر مكعب من المياه. وندعوه أيضاً لزيارة سدّ القيسماني الذي وبالرغم من الحملات التي طالته والادعاءات المشابه لتلك المذكورة في المقال بعدم قدرته على استيعاب المياه نراه ممتلئاً بأكثر من مليون متر مكعب ويغذي أكثر من 30 قرية في أعالي قضائي بعبدا وعاليه بالمياه في فترة الشحائح. وإذا القينا نظرة على بحيرة اليمونة فنراها ايضاً ممتلئة بحوالي 2 مليون متر مكعب من المياه وتساهم بريّ الأراضي الزراعية في بعلبك، وبحيرة الكواشرة في عكار أيضاً وأيضاً ممتلئة.

ربما اختلط الأمر على الخبير بين السدود المنفذة وتلك قيد التنفيذ ولكننا نؤكد أن السدود المتبقية ستنتهي تباعاً وستمتلىء بالمياه كما امتلأت سابقاتها. فسد المسيلحة الذي سيغذي ساحل البترون وقسم من ساحل الكورة بأكثر من 10 ملايين متر مكعب من المياه تنتهي الأعمال به هذه السنة وسوف تبدأ عملية التعبئة والتجارب في شتاء 2019-2020، اما سد بقعاتا الذي سيغذي مناطق المتن بحوالي 10 ملايين متر مكعب من المياه فسينتهي في العام 2020، وسد بلعا الذي سيغذي منطقة تنورين وأعالي البترون بحوالي 2 مليون متر مكعب من المياه فسينتهي العمل به بنهاية العام 2020.

أما بالنسبة لسد بريصا فان المعلومات الواردة في المقال لا تمت الى الحقيقة بصلة اذ ان كلفة المشروع بلغت 17 مليون دولار أميركي لتخزين حوالي 1.6 مليون متر مكعب من المياه وتبين بعد انتهاء الأعمال وأثناء تجارب التشغيل أن البحيرة بحاجة لتغليف كامل. أما المبلغ الاضافي البالغ 15 مليون دولار أميركي فقسم منه سوف يستعمل لتغليف بحيرة السد كما أسلفنا والقسم المتبقي فسيستعمل لاستكمال شبكات مياه الشرب في منطقة الضنية وبالتالي فان الكلفة النهائية للسد تبقى متناسبة مع العايير العالمية في هذا المجال. اما طرح حلول المياه الجوفية في هذه المنطقة فهذا أمر يدعو للعجب نظراً لارتفاع المنطقة عن سطح البحر ولوجوب حفر آبار عميقة ما يؤدي الى كلفة انتاج كبيرة علماً ان قسماً من السد سيخصص لمياه الري، فهل يجوز تحميل مزارعي الضنية وزر كلفة مرتفعة لري مزروعاتهم بدل استعمال الجاذبية لنقل المياه؟

سد بسري والحلول البديلة
بالنسبة لسد بسري فلا لزوم للتهويل بشأن الضغط الذي سوف تولده المياه على الارض فبالمقارنة مع السدود الأخرى في لبنان فان سد بسري أقل ارتفاعاً من سد جنة بحوالي الثلاثين متراً ويخزن ضعفي حجم تخزين جنة من المياه وهو ايضاً أقل ارتفاعاً من سد شبروح في كسروان بحوالي العشرة أمتار وحجم تخزينه أكبر بعشرة مرات من شبروح نظراً لاتساع البحيرة ما يجعل ضغط المياه على الأرض موزعاً على مساحةٍ واسعة ولا يشكل خطراً بنوياً يذكر. وعن القول ان لا مياه كافية في نهر بسري لتعبئة السد فإننا ندعو الخبير الى مراجعة التقارير التي نشرها مجلس الانماء والاعمار على صفحته الالكترونية، والذي كان قد انتقدها في مواقع التواصل الاجتماعي "لأنها مكتوبة باللغة الانكليزية" اذ انها تبيّن ان المعدل السنوي لتصريف النهر يبلغ حوالي 135 مليون متر مكعب. بالإضافة الى ذلك فان المؤسسة الوطنية لنهر الليطاني وخلال العام 2019 قد استعملت حوالي 120 مليون متر مكعب من مياه نهر بسري في معمل شارل حلو وهذا قسم من المياه التي صرّفها النهر خلال هذه السنة وبالتالي لا صحة للادعاءات بان النهر جاف ولن يستطيع تأمين المياه لتعبئة السد.

وعن طرح الحلول البديلة المرتكزة على المياه الجوفية فان الخبير المذكور أشار في تقريرٍ، استندت اليه الشكوى المقدمة لدى شورى الدولة ضد مجلس الانماء والاعمار ووزارة الطاقة والمياه، ان تجارب الآبار في منطقة بسري أعطت نتائج تصريف تبلغ حوالي "20 ليتر بالثانية وهي كمية كبيرة" وعلى عمق 150 متر فقط. وعليه فإننا نسأل الخبير ما هو عدد الآبار اللازمة لتأمين 90 مليون متر مكعب من المياه خلال فصل الشحائح (وهي الكمية التي سوف يخزنها سد بسري) هذا اذا لم نحتسب المياه المؤمنة من مشروع الأولي (يؤمن مشروع بسري ومشروع الأولي 500 ألف متر مكعب من المياه يومياً) وما هي كلفة التيار الكهربائي اللازم لضخها ومعاشات العمال والمهندسين، وهل يكفي ان نصل الى 150 متر لتأمين كل هذه الكمية او انه يجب الوصول الى اعماق أكبر اذ انه من المعلوم ان مستوى المياه ينخفض مع تقدم الضخ وتقدم فصل الشحائح. وهل ينوي الخبير المذكور استعمال الاحتياطي الديناميكي (Dynamic) للمياه أو ذلك الذي يقع على مستويات أعمق والمعروف بالاحتياطي الاستراتيجي الثابت (Static)؟ وهل درس الخبير تأثير الضخ المتواصل عبر السنين على هذا الاحتياطي الاخير؟

مزاعم الخطط الوهمية
ان وزارة الطاقة والمياه ومجلس الانماء ومجموعة الخبراء والاستشاريين المحليين والدوليين قد أجمعوا على ان كمية المياه التي سوف يؤمنها سد بسري ومشروع الأولي غير متوفرة من المياه الجوفية الا في حال حفر عدد كبير جداً من الآبار على مساحات شاسعة تتخطى كلفة انشاؤها وتشغيلها بكثير كلفة السد وتشغيله ناهيك عن التأثير الكبير على مخزون المياه الجوفية وخاصة تلك الموجودة في خزان الجوراسيك J4 الذي لن يتمكن من اعادة تكوين مخزونه على مر السنين نظراً للكميات الكبيرة التي سوف تضخ منه مقارنة مع كمية تغذيته من مياه المتساقطات.

أخيراً تمتنع الوزارة عن التعليق على مزاعم الخطط الوهمية والارباح الخيالية من جراء صفقات السدود وندعو الخبير الى مطالعة بعض الكتب والمنشورات العائدة لادارة المياه ليتبين له بان كلفة السدود المنفذة في لبنان هي ضمن معايير الكلفة المعترف بها عالمياً ونتمنى على موقع المدن استقاء المعلومات من مصادرها الصحيحة وأبواب الوزارة، كما نردد دوماً، مفتوحة لكل مستفسر".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024