الحراك الفلسطيني: "نرسم خريطة المخيمات مرة جديدة"

أحمد الحاج علي

الثلاثاء 2019/07/23
في مساء مخيم عين الحلوة، كان عوّاد يلعب على العود، وحوله عشرات الشبان. يستذكر بأغانيه جزءاً من تاريخ المخيم. والممنوعات التي كانت سائدة، مثل منع التجول في شوارع المخيم لأكثر من شخصين معاً، وعدم السماح بقراءة جريدة أو سماع أخبار في مكان عام، وكذلك عدم بقاء الأضواء مشتعلة بعد الساعة العاشرة ليلاً، ومنع التنقل من مخيم إلى آخر إلاّ بإذن. الشبان حوله يرددون الأغاني رغم أنهم لم يكونوا قد وُلدوا في عقد الستينيات.


حس التضامن
إنه استحضار لفترة يراها الفلسطينيون مظلمة، ويحاولون نسيانها، فيأتي إجراء من هنا، أو تصريح فاقع العنصرية من هناك، ليعيد الخوف، ويصير هو المحرّك. فيستحضر الماضي، ويصبح المستقبل مبهماً على أقل تقدير. حينها فقط يحتملون تداعيات إغلاق باب مخيمهم. ولأن الخوف غالباً لاعقلاني، فإنه لا بأس من إقفال سوق الخضار في مخيم عين الحلوة. ستأتيهم شاحنات محمّلة بالملوخية والبندورة والبطاطا من مخيم الرشيدية.

مطاعم المخيم، دهشة وشريدي وجليلي، ستزوّد المعتصمين ببعض ما تبقى من طعام. الناس التي أتعبها الجدار المحيط بالمخيم، والانتظار الطويل على الحواجز، ستجلب المياه والعصائر وبقايا الخزانات البلاستيكية إلى الشبان اليافعين عند أبواب المخيم، ليشعلوها عند الطريق الموصل إلى الخارج. هل هو رفض اللاوعي لرؤية مكان يشعرهم بالقلق؟ ليبقوا إذاً داخل قلعتهم الحصينة وجدانياً على الأقل، كما يوحي تصرفهم، وحديثهم إلى "المدن".

هناك تضامن غير مسبوق بين الأهالي، كما يقولون. فجأة أزيلت الحواجز الأمنية في المخيم، من دون قرار. حدثت المصالحة بين أحياء متخاصمة. سقطت خصومة طويلة بين حيي الصفصاف (جماعات إسلامية) والبركسات (حركة فتح). مخيم محاصر، كما يبدو، هو أكثر اطمئناناً لسكانه من مخيم مفتوح على الجوار، أو شبه مفتوح، بالمعنى الأدق. كتب الناشط الاجتماعي في مخيم برج البراجنة بديع الهابط على صفحته في الفيسبوك "من فتحاوي ابن مخيم إلى حمساوي مثله: أيفرقنا احتلال ويجمعنا قرار وزير؟".

حصار طوعي
أنصت التاريخ قبل ذلك إلى أنواع كثيرة من الحصار، لكنه من المرات القليلة التي تعلن منطقة حصار نفسها بنفسها. هو رفض، احتجاج، بكل الاتجاهات. احتجاج الفلسطينيين على فصائلهم التي لا يستطيعون طلاقها، لعجزهم عن تحمّل أعباء مؤخر الصداق. واحتجاج أكبر على الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، وأحزابها، حين تجاهلتهم في السلم، وحمّلتهم أوزار حرب لم يكونوا فاعلين سوى بالنصف الأول منها. لبنانيون جاؤوا من صيدا وشرقها إلى مخيم عين الحلوة متضامنين، وليقولوا إن هناك لبنان آخر، ما زال للإنسان وطالبي المساواة مكان فيه.

إلى مخيم برج البراجنة، حيث يُمنع إدخال مواد الإعمار منذ عام 2010. قبل حوالى 60 عاماً من ذلك التاريخ كان المختار حسن السبع، بدوافع قومية، يدعو الفلسطينيين إلى السكن فيما سيُعرف بجورة التراشحة، لينشأ بعدها المخيم. بديع الهابط، الناشط الاجتماعي، يقول لـ "المدن"، إنه طوال 20 عاماً من مشاركته في التظاهرات لم يشهد مثل هذه الحشود الشعبية إلا في زمن الانتفاضة. يضيف أن "شباب الفصائل تجاوزوا قياداتهم. التلاحم غير مسبوق. جميل حتى وأنت تعيش القهر. كل الفصائل اليوم تحت راية فلسطين".

يوصف المشهد بأنه التقاء كان منتظراً بين الإسلامي الملتحي والفتحاوي واليساري. وبأسلوب شاعري يقول "إننا نرسم خريطة المخيمات مرة جديدة". ويؤكد أن الموضوع تجاوز الفصائل إلى حالة شعبية واسعة "سنستثمرها، ولن نتراجع إلى ما كنا عليه قبل ذلك. سنبحث في كل الأساليب التي يمكن أن تحافظ على يقظة الناس. سنطلق المسرحيات، والعروض الفنية، وسنحرص على أن لا تؤثر أنشطتنا على قوت العامل. سنجذب الفرح إلى مخيمنا". ويبتسم كأنه واعده سراً أن لا يفلته هذه المرة.

الحوار وإدارة الحراك
مسؤول فصائلي، وفي حديث لـ "المدن"، يقول "إن الكثير من المسؤولين اللبنانيين تواصلوا معنا، وأخبرونا أن قرار وزير العمل بحكم المنتهي. نعم نصدّق ذلك، لكن بحذر. لأننا خضنا تجارب مشابهة قبل ذلك، ولم نصل إلى نتيجة مرضية. فعند إقرار قانون منع التملك كانت الوعود كثيرة، ومرّ القانون. وكذلك الجدار حول عين الحلوة. لذلك الحذر واجب، ومقدّم على أي تفاؤل".

وعن موقف الفصائل الفلسطينية من القوات اللبنانية يشدد المسؤول الفلسطيني أنه "لا نريد أن ندخل في سجال لا مع القوات اللبنانية ولا مع أي حزب لبناني. لا مصلحة للفلسطينيين ولا لبنان بالدخول في سجال. الحوار الجاد هو وحده الكفيل بالوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف. نحن لم نرد قبل ذلك على باسيل، ولن ندخل اليوم في سجال مع القوات. حتى رد حماس على اتهامات سمير جعجع لها كانت في حدود عدم التصعيد". ويعد المسؤول الفلسطيني بالوصول إلى هيكلية كاملة ومفصلة لإدارة الحراك الفلسطيني خلال أيام "بما يضمن مصالح شعبنا والعلاقة الحسنة مع الجوار اللبناني".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024