عصام الحاج علي: استعادة الأملاك العامة كاستعادة مزارع شبعا

خضر حسان

الخميس 2019/12/05
بلهجة جنوبية وقلق مستمر على المستقبل، يرفض عصام الحاج علي ابن بلدة "معركة" في قضاء صور، التخلّي عن المشاركة في التظاهرات التي انطلقت في 17 تشرين الأول.

لم يغادر عصام مكان تجمّع المتظاهرين في ساحة العلم في صور. ومنذ اليوم الأول للتظاهرات، حمل علم لبنان ووقف أمام منزله في القرية منتظراً صديقاً يقلّه الى صور. فعصام لا يملك سيارة، وهو عاطل عن العمل، وتنافسه العمالة الأجنبية في مهنة "الدهان" التي بالكاد تُطعم أربابها خبزاً.

ساحات متفرقة والهدف واحد
ليست المرة الأولى التي ينزل فيها عصام إلى الشارع، فهو يذكر في حديث لـ"المدن" أنه شارك في الكثير من التظاهرات منذ العام 1992. واختلاف عدد التظاهرات وشعاراتها لا يعني اختلاف هدفها، فالسلطة تقدم نهجاً واحداً منذ نهاية الحرب الأهلية، نهجاً "يدّعي أنه نهج ديموقراطي في نظام برلماني، لكن في الواقع هو نهج ديكتاتوري فيه برلمان لم يقم بأي إصلاحات تمس حقوق الناس وتطوّر المجتمع الخارج من الحرب، ليصبح مجتمعاً مدنياً".

النهج الذي تحمله أحزاب السلطة يُغدق الناس بوعود كاذبة حول الاصلاح والوطنية والدولة المدنية، "في حين تمارس تلك الأحزاب عكس ما تقوله. وللتأكيد، كل حزب في طائفته لديه مدرسة خاصة ومنطقة مقفلة تُربّى فيها الأجيال تربية مناطقية مذهبية تقوم على رفض الآخر. وهذا كله يحصل في ظل تهميش المدرسة الرسمية". لذلك، مهما اختلف توقيت ومكان الاعتصامات والتظاهرات، فإن "وجهتها واحدة، سلطة تعطي كل مرة ألف سبب لخروج الناس ضدّها".

المقاومة والمؤامرة
يضحك عصام الحاج علي لدى الحديث عن مؤامرة تُحاك ضد المقاومة من خلال التظاهرات، "فهذه النغمة ليست جديدة، بل تكررت في أكثر من محطة منذ العام 2011. ومن يستعمل هذه الحجّة، هو مستفيد من الفساد القائم في البلد".

استعمال عناوين كبيرة مثل المقاومة والمؤامرة الأميركية "يهدف إلى إبعاد الناس عن القضية الأساسية التي نزلوا إلى الشوارع من أجلها. ومن يستعمل هذه العناوين، يعرف جيداً أن جمهوراً كبيراً من الناس يقف عند حدود التعرض للمقاومة، خصوصاً أهل الجنوب الذين عانوا كثيراً من الاحتلال الاسرائيلي. لكن أهمية تظاهرات 17 تشرين أنها حسمت خطابها منذ اللحظة الأولى، وحددت أن هدفها اقتصادي اجتماعي سياسي، ولا علاقة لموضوع المقاومة في التظاهرات، وهذا ما قلّص حجم تأثير الدعايات التي اطلقتها بعض الأحزاب".

ومع ذلك، إن أراد أحدهم إقحام المقاومة في مسألة التظاهرات، فالردّ واضح وبسيط، "إسرائيل عدو، لكن النظام الطائفي أشد خطورة على الشعب من العدو الاسرائيلي"، يؤكد عصام، الذي يشير الى أن "مقاومين كثر موجودون في الساحات، وخاصة في صور. لذلك لا يمكن اتهام المتظاهرين بأنهم يعملون لتحقيق أهداف إسرائيلية وأميركية. ومن يعمل لخدمة تلك الأهداف، هو من يدمر الدولة ويشرّع سياسات اقتصادية ومالية تضر بالشعب وتزيد من فقره. ومن يحاضر بالمقاومة اليوم، وافق منذ التسعينات على السياسات الاقتصادية التي أوصلت البلد إلى الانهيار، وهي السياسات نفسها التي يريدها الأميركي والبنك الدولي، وبالتأكيد اسرائيل التي لا تريد للاقتصاد اللبناني أن يكون بخير". وعليه، "إذا كان الأميركي يهدف بوضوح إلى تخريب البلاد، فماذا فعلت القوى التي تقول أنها ضد أميركا واسرائيل، لتحمي البلاد. هؤلاء وافقوا على سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ولم يعترضوا عليها لعقود، فلا يحق لهم اليوم الحديث عن اصلاحات أو حتى عن مؤامرة أميركية اسرائيلية؟".

مزارع شبعا
نجحت التظاهرات في كسر جدار الخوف عند الناس. وبرأي عصام، فإن أهمية التظاهرات تزداد إذا ما أخذناها على مستوى الجنوب. فالجنوب عانى الاحتلال والضغوط التي مارستها القوى السياسية المسيطرة، لقمع محاولات التغيير الفكري أو السياسي، ودائماً تحت ذريعة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وكان استمرار احتلال مزارع شبعا موضوعاً حاضراً دائماً لقمع الناس، مع أن "استعادة الأملاك العامة المنهوبة يوازي استعادة مزارع شبعا، فمن قال أن استعادة الأملاك العامة ومحاربة الفساد ينفصل عن استعادة الأرض؟".


ترتفع نبرة الحديث مع التوغّل في نقاش معادلة محاربة الفساد واستعادة مزارع شبعا، ذلك أن الفكرة التي زرعها حزب الله -ونسبياً حركة أمل- في عقول الجنوبيين، تجعل من المجتمع الجنوبي مجتمعاً نمطياً لا يفكّر خارج الإطار المرسوم له سلفاً، وغالبية جمهور حزب الله يعتقد أن الحزب قادر على تحرير مزارع شبعا لكن "العمليات العسكرية متوقفة في المزارع المحتلة، والمنطقة بأكملها تنتظر ترسيم الحدود مع سوريا منذ العام 1967، ولم يحصل ذلك حتى الآن". ويضيف عصام الحاج علي أن "مزارع شبعا لا تعود إلا بتحصين البلد وتحسين معيشة أبنائه. ولا يمكن وضع تحرير المزارع مقابل تأمين لقمة العيش، كما لا يمكن تنصّل من يتحدث باسم المقاومة، من مسؤوليته حول الوضع المعيشي، لأن من يملك سلاحاً وصواريخ تصل من إيران إلى لبنان عبر كل هذه المسافات، ومن يملك أكبر كتلة نيابية هو وحلفاؤه، ومن لديه القدرة على إيصال من يريده إلى رئاسة الجمهورية، هو بالتأكيد قادر على التأثير في السياسات الداخلية، خاصة السياسة الاقتصادية".

ويختم الحاج علي بالقول أن "المقاومة الحالية أخطأت حين لم تقف مع تحرك الشعب، لأن الشعب هو المقاومة، في حين أن كل من أتى إلى السلطة هو من التجار والمقاولين".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024