جرائم العنف الجنسي.. يا لقوانينا الناقصة

جنى الدهيبي

الجمعة 2018/12/07
تزامنًا مع حملة الـ 16 يومًا لمناهضة العنف ضدّ النساء والفتيات، يستعيد المدنيون والحقوقيون في لبنان رفع صوتهم من جديد، في سياق المطالبة بتعديل بعض مواد قانون العقوبات، المتعلقة بالعنف ضدّ النساء. وضمن هذا المسعى، عقدت الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضدّ المرأة، الأربعاء في 5 كانون الأول 2018، بالشراكة مع منظمة "المساواة الآن" الدولية، وبالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، ومركز الصفدي الثقافي، ندوة حوارية تحت عنوان "الإفلات من العقاب في جرائم العنف الجنسي المواد 505، 519، 518 عقوبات". 

ضرورة التعديل
هذه الندوة، التي أدارتها رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضدّ المرأة، لورا صفير، والقاضية أرليت جريصاتي، والدكتورة هند الصوفي، استفاضن، من خلالها، في شرح المواد القانونية المطلوب تعديلها، من 505 و519 والغاء المادة 518؛ مع تناول نوعية الضغوطات المجتمعية، الممارسة بحقّ الناجيات من الاعتداء الجنسي.

وفيما تهدف المطالب مراعاة الحالة الجسدية والنفسية والاجتماعية للنساء والفتيات المغتصبات، مع تشديد العقوبة على المغتصب، أيّ محاكمته وليس الحكم عليها، يبقى السؤال: ماذا يُبدّل تعديل موادٍ وإلغاء أخرى في مسار حماية النساء والفتيات من العنف الجنسي؟

قانون ناقص
في العام الماضي، آب 2017 تحديداً، ألغى مجلس النواب "المادة 522" من قانون العقوبات، التي تنص على أنه "إذا عُقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بغية الزواج…) والمعتدى عليها، أُوقفت الملاحقة. وإذا صدر الحكم في القضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فُرضَ عليه".

إلغاء هذه المادة الذي اعتبر إنجازًا وانتصارًا كبيرًا، نتيجة الضغوطات التي مارستها الجمعيات والتجمعات الحقوقية والنسوية، بقي ناقصًا. كيف ذلك؟ رغم إلغاء 522، أبقى القانون على  سريان المادتين 505 و518 من القانون ذاته، والتي تتضمن عقوبات مخففة بحق المغتصب.

مثلًا، تنصّ المادة 505 من قانون العقوبات، على أنه "من جامع قاصرًا دون الخامسة عشرة من عمرها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة". والمادة 518، "فهي تعاقب بالسجن فترة قصيرة أو بغرامة من "أغوى فتاة بوعد الزواج ففض بكارتها". أمّا المادة 519 عقوبات ، فتهدف إلى حماية القاصر، ذكرًا او أنثى، من الاستغلال الجنسي لا سيما من الملامسة أو المداعبة المنافية للحياء، إلا أنّه إذا تمّ هذا الاستغلال الجنسي الموصوف من دون رضا القاصر، ينطبق عليه وصف جرائم أخرى منصوص عليها في الفصل السابع من قانون العقوبات. لذلك، طالبت الهيئة إلغاء عبارة "دون رضاه" من مضمون أحكام المادة 519.

عمليًا، أبقى القانون على جرائم أخرى في المادتين 505 و518 عقوبات. وتحديدا ما يخصّ السماح للزوج باغتصاب زوجته، والإعفاء من العقاب من جامع قاصرًا ما بين سنّ الخامسة عشرة والثامنة عشرة، إذا تزوّج من الضحية، وذلك في محاولة "إلتفافية" لتكريس تزويج الطفلات".

القانون الطائفي
وإذا أردنا تحليل هذا الواقع القانوني المجحف بحقّ النساء والفتيات، فهو يرتبط بالقوانين اللبنانية على اختلاف مرجعياتها المذهبية والمدنية، التي تفتقر إلى نصّ صريح يتضمن آليات واجراءات تحمي النساء من العنف الممارس عليهن، بخاصة في نطاق المنزل. وعلى العكس تمامًا، يشكل النظام القانوني الطائفي في لبنان، حالة عنف بحدّ ذاته، لما يتضمنه من عنف مباشر عبر إيجاد مبرارات للـ"مجرم" المغتصب.

في العام 1992، اعتبرت لجنة سيداو العالمية،  أنّ "التمييز ضد المرأة سـبب رئيسي مـن أسباب العنف"، وأنّه نتيجة عدم مراجعة المفاهيم الرائجة. لذا، لا بدّ من مساءلة الدولة مباشرة عن موقفها وعن سياستها بوصفها صاحبة أدوات السلطة، ولأنّ سياسة الدولة التشريعية قائمة على التمييز المسبب للعنف. فهل ستنفع المطالبات بتعديل مواد وإلغاء أخرى لتترجم على أرض الواقع حمايةً للنساء والفتيات؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024