جموع وسط بيروت تائهة بين إسقاط المصرف وميشال عون

وليد حسين

الأحد 2019/09/29
قد يكون الاعتصام الذي دعت إليه بعض المجموعات المدنية واليسارية وأفراد نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، في ساحة الشهداء يوم الأحد 29  أيلول، أتى للتعبير عن غضب ونقمة المواطنين من الأزمة الاقتصادية، وخصوصاً المالية، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، وما نتج عنه من تآكل رواتب جميع اللبنانيين. لكن دخول بعض القوى السياسية عبر أفراد ينتمون أو يدورون في فلك الثنائية الشيعية حال دون مشاركة مجموعات مدنية نشأت خلال الحراك المدني العام 2015، إبان أزمة النفايات، على رأسها مجموعة "طلعت ريحتكم"، ومجموعات أخرى تأسست بعد الانشقاقات والصراعات التي حصلت بين المجموعات المدنية، مثل مجموعة "لوطني"، التي ولدت من رحم "بيروت مدينتي"، و"المرصد الشعبي لمحاربة الفساد" الذي ولد من رحم مجموعة "بدنا نحاسب". فقد اعتبرت هذه المجموعات أن بعض قوى السلطة تريد تحريك الشارع ضد القسم الآخر من السلطة وزج المواطنين في هذه الخلافات.


دعاة كثر والشتيمة واحدة

مئات المواطنين شاركوا في هذا الاعتصام الذي دعت إليه مجموعات "حلّوا عنا"، ومبادرة "وعي"، و"الشعب يريد اسقاط النظام"، ومنصة "تعا نحكي"، و"مقاومون ضد الفساد"، و"التيار الأسعدي"، و"حزب سبعة"، و"الحركة الشبابية للتغيير"، وأفراد من الحزب الشيوعي اللبناني، وغيرهم من الأحزاب اليسارية، ليتحول لاحقاً إلى تظاهرة شعبية جالت في وسط العاصمة وانتهت بحركات شغب وقطع جميع الطرق المؤدية إلى وسط بيروت.

ولعل التلاعب الحاصل بسعر صرف الدولار وأزمة المحروقات جعلت الناس يندفعون إلى الشارع بمعزل عن الجهات الداعية، كما دلت أحاديث الناس والشتائم التي راحوا يكيلونها بحق السلطة والمسؤولين.

"قد تستغل بعض قوى السلطة وبعض الأجهزة نقمة الناس للتصويب على أطراف أخرى في السلطة، لكننا كمجموعات مدنية كنا وراء الدعوات، كلن على طريقته، كي نصحح مسار الحراك لمنع قوى السلطة من توظيف الاعتصام سياسياً" قال محمود فقيه من مجموعة "حلّوا عنا" لـ"المدن".

وبمعزل عن بعض الشبان الملثمين، أو الذين ارتدوا ثياباً سوداء، كانوا يتحضرون لفعلة ما، دلت الصرخات التي أطلقتها النساء والرجال المسنين والمواطنين العاديين، الذين أتوا بصحبة عائلاتهم، عن نقمة عارمة في صدورهم على السلطة السياسية وما وصلت إليه البلاد من أزمة اقتصادية ومعيشية. وهذا ما بدا من خلال اللافتات الكثيرة المكتوبة بخط اليد أو المطبوعة سلفاً: "لصوص تفو عليكن. بدي بيع هويتي يا عكريت"، و"ارحل.. ارحلوا عنا يا عهد ويا حكومة"، و"الشعب يريد اسقاط الحكومة" و"يسقط العهد تسقط الحكومة"، و"بدنا حكومة اختصاصيين مش حكومة مصاصين"، و"كفى حكومات وحدة نهب وطنية"، و"نحنا اصحاب الحق".

منشد حزب الله
وبينما افترش بعض الشبان الأرض واضعين ورقة الألف ليرة كشريط لاصق كمّوا بها أفواههم، راح بعض المعتصمين يندمون على انتخاب النواب، كما قال أحدهم: "استعملوا الشحن الطائفي وكذبوا علينا تا ننتخبهن الحراميي"، وراح رجل أتى من طرابلس يصرخ ملقياً التحية على أهالي بيروت رافعاً شارات نصر وداعياً إلى الثورة برفقة المجموعة المصاحبة له، حاملين لافتة عبارة عن أيادي متكاتفة وكتب عليها سنّي درزي شيعي مسيحي، للقول إن جميع الطوائف اللبنانية متّحدة للثورة ضد النظام.

وبينما راح المواطنون يعبّرون عن غضبهم عبر مكبرات الصوت التي حضرت بكثرة، كانت الأغاني الثورية والحماسية تصدح، ولم يغب عنها حتى نشيد "يا صناع الفتن حلوا عن هل الوطن" للمنشد علي العطار المنتمي إلى حزب الله. 

في كل الاتجاهات
ما كاد حزب سبعة يحضر بأعلامه ومكبرات صوته الخاصة، مستلحقاً المعتصمين بعد أن زاد عددهم، حتى اندفعت الجموع في تظاهرة سارت في الشارع المقابل لمبنى النهار، ومروا في شارع المصارف، وصولاً إلى ساحة رياض الصلح، على وقع هتافات "يسقط، يسقط حكم المصرف" و"الشعب يريد اسقاط النظام" و"يسقط يسقط ميشال عون" و"يا للعار ويا للعار دولتنا دولة تجار".

جموع اندفعت خلف المنظمين والداعين للتظاهر غير عابئة إلى أين سينتهي بها المطاف. حتى أن الداعين أنفسهم بدوا غير واعين لما هم قادمون عليه. وقد دلّت التظاهرات المتفرقة التي قام بها بعض الشبان اليساريين عن هيامهم بالجموع غير عارفين أين يتجهون. ينطلقون في اتجاه جمعية المصارف ثم يعدلون ويعودوا مجددا إلى شارع المصارف هاتفين "اعتصام، اعتصام حتى يسقط النظام" و"حرامي، حرامي رياض سلامة حرامي". يفترشون الأرض في وسط شارع المصارف تتدلى من أعناقهم عقود بشارات المطرقة والمنجل ويطلقون هتافات "طائفية، طائفية السلطة طائفية"، و"كلن كلن قرطة حراميي"، و"معركتنا طبقية" و"مصرف لبنان ملك الحيتان"، و"ثورة ثورة ثورة".

ينطلقون مجددا باتجاه ساحة رياض الصلح يقودهم شاب بلحية كثّة مطلقاً الهتافات فيرددون خلفه: "رئيس الجمهورية عا الكرسي مزهرية"، و"يسقط يسقط حكم الازعر" و "يسقط يسقط حكم المصرف". ينضمون مجدداً إلى المعتصمين في ساحة الشهداء، وتتكرر الهتافات ذاتها.

قطع طرق وقوى سياسية
وبينما حاول البعض التصادم مع قوات مكافحة الشغب التي أقفلت الطريق المؤدي إلى السرايا الحكومي، كان بعض المواطنين يتفيؤن في ظل أشجار ساحة رياض الصلح لمعرفة كيف سينتهي هذا اليوم. "والله كنت بالبيت عم احضر عا التلفزيون ونزلت" قال أحدهم لسيدة جلست بالقرب منه، وأضاف "وين العالم شو ناطرين؟ اذا ما بينزل كل الناس ما منعمل شي".

لحظات تمر فتنطلق الدعوات مجدداً إلى التحرّك لقطع أوتوستراد الرينغ. "تعوا معنا نسكر الطرقات، هون ما رح فينا نعمل شي، في مليون عسكري" يصرخ أحد الشبان بالواقفين في فيء الأشجار. ثم يعود من منتصف الطريق برفقة بعض الشبان إذ لم يستجب أحد معه. بعد دقائق من المشاورات تندفع الجموع إلى أوتوستراد الرينغ فيتم إقفاله من الجهتين. وبينما كان البعض يهتف "حرامي حرامي رئيس الجمهورية حرامي"، تفرق الشبان على مجموعات صغيرة وراحوا يقفلون جميع الطرق المؤدية إلى وسط بيروت من بشارة الخوري إلى نفق سليم سلام، دلّت أحاديثهم أنهم من شبان الخندق الغميق، إذ قال أحدهم رداً على انزعاج أحد المواطنين في سيارته تلاسن معهم ونعتهم بلّقة الأدب: "نحنا شباب الخندق الغميق منعلمك الأدب".   

ولعل ما قاله أحد المتحمسين صارخاً بالجموع على أوتوستراد الرينغ "إذا منستمر يومين هيك مش بس بيسقط رئيس الجمهورية، بيسقط كل البلد"، يعبّر عن نقمة الناس من السلطة، لكن يعبّر عن وجود قوى سياسية تريد إشعال الشارع وجرّه إلى مكان ما.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024