وباء الفقر يطيح الإقفال..هل تتجه طرابلس نحو مناعة القطيع؟

جنى الدهيبي

السبت 2021/01/09
من ساحة التلّ في اتجاه الأسواق الداخلية والمتفرعة في العريض والعطارين ونحو سوق الخضر، يبدو مشهد طرابلس واحدًا موحداً مع دخول البلاد مرحلة الإقفال الشامل: فوضى واكتظاظ وتدافع تحت شعار: "لن نلتزم بالإقفال لأن وباء الفقر أشدّ فتكًا من وباء كورونا".
وهذه العبارة، يردها عاملٌ في محلٍ لبيع الألبسة في السوق العريض لدى سؤاله عن سبب العمل في أيام الإقفال. هو يغلق البوابة جزئيًا، كإشارةٍ للزبائن أن المحل مستعد لاستقبالهم، وما عليهم سوى طرق الباب للدخول ثم إغلاقه من جديد.

استحالة فرض الأقفال 
وقال هذا العامل لـ "المدن": "شعرت بفرجٍ كبيرٍ حين طلب مني صاحب المحل فتحه في أيام الإقفال، رغم تقليص راتبي الزهيد إلى نصفه. لكنه يبقى أفضل من اللا شيء، لأحاول تأمين أبسط حاجاتي".

وهذا المحلّ هو واحد من عشرات المحال التي تعمل في طرابلس، فيما القوى الأمنية تغضّ الطرف عنها، أو لا تمرّ قربها. لأن كل محاولةٍ لإغلاق محل بالقوة تعني إشكالاً قد يتطور حتى إلى إطلاق النار، كما حصل في يوم الإقفال الأول، أثناء ضبط فتح أبواب أحد المقاهي.  

وما يحدث خلسةً في الأسواق داخل بعض المحال، يجري علنًا في الأحياء الشعبية، كباب التبانة والقبة ومحرّم، كما في الأسواق الغذائية. وهنا يكتظّ الناس في الشوارع، لأن بعضهم لا يؤمن بخطورة انتشار كورونا. والبعض الآخر يتعمّد تجاوز مقررات سلطة لم تكترث يومًا لسوء الأوضاع في مناطقهم المنسية والمهمشة.  

استجداء الإعاشة
ويبدو إقبال الناس على العمل في طرابلس خلال الإقفال، ليس لأن دورة الحياة الاقتصادية تسير بشكلٍ طبيعي، بل لأن معظم أبناء المدينة مياومون ويتقاضون أجورًا يومية زهيدة لا تتخطى 30 ألف ليرة لتأمين قوتهم. وفي زمن كورونا الذي ضاعف المأساة الاقتصادية في عاصمة الشمال، ارتفعت نسبة إقبال العائلات على الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومة بمستويات قياسية، للحصول على صناديق الإعاشة الغذائية، أو لتأمين بدل فاتورة دواء. أما في بعض المناطق الأفضل حالًا، مثل المعرض والضم والفرز ومحيط عزمي، فتشهد الأحياء التزامًا كبيرًا بمقررات الإقفال، خوفًا من تسطير محاضر الضبط في حقّ المحالفين.

وهذا ما يؤكده رئيس بلدية طرابلس رياض يمق لـ "المدن"، مشيرًا إلى أن الالتزام في المناطق الشعبية لا يتخطى 15 في المئة، لأن أبناءها غير قادرين على البقاء في المنازل.  

وقال يمق إن شرطة بلدية طرابلس تنسق مع القوى الأمنية والجيش لضبط الوضع المتفلت في المدينة قدر المستطاع، لا سيما أنها تشهد تحركات يومية لمجموعة من عشرات المتظاهرين الذين يتجمعون بعد السادس مساءً للتظاهر أمام الحواجز الأمنية.  

انتظار المستشفى القطري
وتنتظر المدينة أطلاق العمل في المستشفى الميداني القطري. ويقول يمق إن المجلس البلدي اجتمع الخميس وأقرّ بالاجماع صرف 300 مليون ليرة لتأهيل أرضٍ محاذية للمستشفى الحكومي في القبة، لينصب عليها المستشفى الميداني، وفي انتظار الحصول على الخرائط المخصصة للمستشفى من وزارة الصحة وقيادة الجيش.

ومن المرتقب أن يخفف هذا المستشفى بواسطة 300 سرير، الضغط الكبير الذي تشهده مستشفيات طرابلس، بعدما استنفد قدرتها التشغيلية من الأسرة المخصصة لاستقبال مرضى كورونا، وهي مستشفيات هيكل والمظلوم والنيني، إلى جانب الحكومي.  

من جهته، يعتبر رئيس لجنة إدارة الكوارث في بلدية طرابلس جميل جبلاوي أن الوضع في طرابلس لا يختلف عن غيره من المناطق اللبناني على مستوى انتشار الوباء الذي دخل مرحلة التفشي المجتمعي. وهو يعتبر أن اللبنانيين انتقلوا إلى مرحلة مناعة القطيع. فأعداد المصابين يتجاوز أضعافاً الأعداد المعلن عنها رسميا في وزارة الصحة. ذلك لأن نسبة كبيرة من المصابين لا يخضعون لفحص الـ PCR، وفقه. وقال أيضاً: "رغم ارتفاع أعداد المصابين لأكثر من 5 آلاف يوميًا، فإن النسبة المئوية للمصابين ما زلت على حالها، لأن ما ارتفع فعليا هو عدد الفحوص وليس أعداد المصابين".  

فقر ومظاهرات
ويرى جبلاوي أن عدم إلتزام طرابلس بمقررات الإقفال يعود لأسباب ثلاثة: أولًا لأن نسبة كبيرة من المصابين تأتيهم العوارض خفيفة ومتوسطة. ثانيًا، لأن أبناء المدينة لا يثقون بالتعليمات الصادرة عن أية جهة رسمية في الدولة. وثالثًا، لأن تدهور الأوضاع الاقتصادية تفاقم، مما يقلل من مستوى الإقفال والتوقف عن العمل في أوساط الفقراء المياومين.

وفي سياق خرق مقررات الإقفال، تنطلق مساء كل يوم مجموعة من المتظاهرين في أولى ساعات منع التجول ليلاً، من ساحة النور في اتجاه ساحة التل - الوسط التجاري، وسط تدابير القوى الأمنية والجيش. ويندد المتظاهرون بما قال أحدهم أنه "غياب دور القيادات السياسية وصمتها عما يتعرض له الشعب اللبناني من ويلات ومآس وضائقة اقتصادية أوصلت البلاد إلى الانهيار". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024