مخيلة الدولة الفقيرة: حل بطالة الخرّيجين بتقليص أعدادهم!

مريم سيف الدين

الجمعة 2019/04/12

يعاني المتخرجون من صعوبة تأمين فرص عمل لهم في وطنهم. الأرقام التي تُنشر، تُظهِر نسبة بطالة عالية بين صفوف الشباب، وتكشف عن هوة كبيرة بين أعداد الخريجين العاطلين عن العمل، وأولئك الذين يدخلون سوق العمل.

لم تجد الحكومات المتعاقبة ولا القطاعات الاقتصادية حلاً لهذه المعضلة سوى اللجوء للحد بشكل كبير من عدد الخريجين، بدل محاولة الحد من البطالة نفسها وتداعيات الأزمة الاقتصادية. ويظهرُ توجهٌ لدى المعنيين في مختلف المناصب، لمنع الشباب والشابات من دراسة العديد من التخصصات الجامعية، وتحديداً العلمية منها، إلا في حال استيفاء شروط بالغة الصعوبة، ومن دون العمل الجدّي على فتح مسارات مهنية وتخصصات جديدة، يحتاجها لبنان، في ظل سرعة التطور العلمي والمهني. وكأنهم قرروا إلغاء الخريجين بدل إلغاء أزمة البطالة.

شروط الصيدلة
في هذا السياق، تتوجه اللجنتان النيابيتان، التربية والتعليم العالي والثقافة، والصحة العامة والعمل والشؤون الإجتماعية، إلى تعديل قانون ممارسة مهنة الصيدلة. وستضع اللجنتان شروطاً جديدة لدراسة الإختصاص. ومن الشروط أن يخضع الطالب الذي نال معدل 14/20، في شهادة الثانوية العامة، لامتحان جدارة تجريه وزارة التربية والتعليم العالي. على أن تحدد الوزارة مع نقابة الصيادلة، في كل عام، عدد الطلاب الذين سيسمح لهم بدراسة إختصاص الصيدلة وفق حاجة السوق، وبذلك يسمح للأوائل ضمن العدد المطلوب بدراسة الصيدلة.

من جهته يؤكد رئيس لجنة العمل والصحة والشؤون الإجتماعية النيابية، النائب عاصم عراجي، في حديث إلى "المدن"، المضي في إقرار تعديل شروط مزاولة مهنة الصيدلة. ويشير إلى أن الصيغة النهائية للقانون لم تنجز بعد، وسيتم إدخال بعض التعديلات عليها، على أن يحدد الشكل النهائي للاتفاق في وقت قريب. كما يؤكد عراجي أن هذه الشروط ستنطبق على من يريد الدراسة في الداخل أو في الخارج. فحتى من سيتخرج من أفضل الجامعات العالمية، لن يتمكن من مزاولة المهنة في لبنان، في حال لم يجر امتحان الجدارة قبل البدء بدراسته الجامعية. ويعلن عراجي، كرئيس للجنة الصحة، أنه سيعمل بعد الانتهاء من دراسة تعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة، بدراسة إدخال تعديلات جديدة على شروط مزاولة مهن أخرى، كالطب وطب الأسنان وغيرها. فيما يرى أنه من المفترض أن تقوم اللجان الأخرى بتنظيم المهن الأخرى، "فهناك حوالى 70 ألف مهندس في نقابتي بيروت وطرابلس".

تقليص خريجي الدراسات العليا
يرفض عراجي اعتبار القرار مضر بالفئات الأكثر تهميشاً، متذرعاُ بأن "كل دول العالم تتخذ إجراءات مماثلة للحد من مشكلة البطالة". ورداً على سؤال لـ"المدن" حول عجز القانون المقترح عن معالجة مسببات البطالة الحقيقية، الكامنة في سوق العمل، وفي المناهج التعليمية، يجيب عراجي أن الخطوة الأولى هي الحد من عدد الخريجين، فيما سيتم العمل فيما بعد على معالجة الأمور الأخرى.

إضافة إلى هذا التوجه، بدأت بدورها الجامعة اللبنانية محاولة الحد من عدد خريجي الدراسات العليا. إذ شكى طلاب من مختلف الإختصاصات منعهم من إكمال دراساتهم العليا، رغم استيفائهم الشروط اللازمة. وقد اعترض مؤخراً طلاب من قسم علم النفس، في كلية الآداب، رفضاً لقرار يفرض عليهم نيل معدل 15/20 كشرط لدراسة الماجستير. وبالتالي، ممارسة مهنة معالج نفسي. وهو ما اعتبروه شرطاً تعجيزياً في ظل رفض أساتذة وضع علامات تتجاوز 14/20 في موادهم، ما يخفض معدل الطلاب إلى أقل من 15/20 ويحتم انتفاء الشرط اللازم. هذا التوجه عبّر عنه صراحة رئيس الجامعة اللبنانية، الدكتور فؤاد أيوب، في ندوة حوارية مع الطلاب. وقال حينها بأنه لا يرغب بتخريج طلاب دكتوراه عاطلين عن العمل.

مناقضة اقتصاد السوق.. والدستور
من جهته يرى الخبير الاقتصادي، الدكتور إيلي يشوعي، أن التوجه للحد الكبير من عدد الخريجين عملية غير صحية: "ففي الأنظمة الاقتصادية الحرة هناك نوع من النصح لا الإلزام".. ولا يمكن فرض قانون كهذا على الجامعات الخاصة. ويدعو يشوعي الدولة إلى تحمل مسؤوليتها. إذ أنها هي من منحت الإجازات لعدد كبير من الجامعات وتسببت بهذه التخمة. ويتساءل: لمَ لم تمنح شهادات مهنية عليا لتنويع الإختصاصات؟ معتبراً أن هذه الإجراءات مرفوضة، شكلاً ومضموناً: "فهي غير دستورية، وضد اقتصاد السوق، وضد المنافسة، وضد المبادرة الفردية التي يكرسها الدستور. فإذا ارتفع عدد الصيادلة فإن الطلاب من تلقاء أنفسهم لن يتجهوا نحو هذا الاختصاص".

بدوره، يؤيد الباحث في الدولية للمعلومات، محمد شمس الدين كلام يشوعي، ويشير شمس الدين إلى عدم قدرة الدولة على فرض قانون كالمقترح على الجامعات الخاصة، "لأنه مخالف للدستور ولمبدأ التعليم الحر. وبالتالي، تستطيع الجامعات الخاصة الطعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري، عبر عدد من النواب. فالقرار ينم عن جهل بطبيعة النظام اللبناني". يطرح شمس الدين فرضية: "ماذا سيحصل في حال فرضوا الأمر على الجامعات الخاصة وسافر الطلاب ودرسوا في الخارج؟". ويلفت إلى  أن من لن يدرس صيدلة سيدرس اختصاصات أخرى، ولبنان يتكل على سوق العمل في الخارج. من هنا ينبه الباحث: "لا يجب أن نفكر كم لدينا من حملة شهادة في مجال ما، وإنما يجب التفكير بإيجاد فرص العمل. فربما هناك فائض الآن في عدد الصيادلة، لكن وفي حال بات لدينا صناعة دوائية سيتحول الفائض إلى نقص. لبنان يستورد أدوية بقيمة مليار و200 مليون دولار سنويًا. إذا أوجدنا صناعة دوائية، سنوجد فرص عمل وسنخفض الفاتورة الدوائية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024