عمليات سطو متكررة في زحلة.. ودعوات للأمن الذاتي

لوسي بارسخيان

الثلاثاء 2020/12/29

استيقظت مدينة زحلة يوم الثلاثاء 29 كانون الأول، على دعوات متداولة للأمن الذاتي، على خلفية عملية سطو بقوة السلاح تعرضت لها صيدلية في حي السيدة. ضُرب خلالها صاحبها على رأسه بالسلاح، وسُلب منه مبلغ مال. كما غنم السارقون هاتفيّ خليوي، وسيارتين من نوع شيروكي وVitara لزبونين كانا داخل المحل.

حادثة السطو المسلح هي الثانية التي تقع في زحلة خلال عشرة أيام. وكانت الأولى في 18 كانون الحالي بمطعم ماكدونالدز للمأكولات السريعة، عند أوتوستراد المدينة، عندما دخل المسلحون المطعم بينما كان مزدحماً بالفتيان والأطفال، وسرقوا غلته تحت التهديد، ليفروا إلى مكان مجهول.

كرامة المدينة
رد الفعل "الزحلاوي" على الحادثتين تخطى التحذيرات من تداعيات الجو الاقتصادي العام على الواقع الأمني، وخصوصاً في ظل الانهيار المتواصل لمختلف المؤسسات والأجهزة، لتصل إلى التهديد بـاللجوء إلى "الأمن الذاتي".

ولنزعة "الأمن الذاتي" في زحلة خلفيات اجتماعية وسياسية وحتى تاريخية، يوقظها في الأذهان المسّ المباشر بأمن المدينة.

فمع أن الحادثتين الأخيرتين، وقعتا على بعد مسافة زمنية وجغرافية ليست بعيدة عن حوادث أخرى مشابهة تتكرر في مختلف قرى البقاع وبلداته، وعلى الأراضي اللبنانية عموماً، لم يعتبر الزحليون أنفسهم معنيون بها، إلا عندما مسّت هذه العمليات أبناء مدينتهم مباشرة. وحينها ما عاد التعاطي معها كحوادث فردية يجب ردعها على كل الأراضي اللبنانية، بل اعتبرت مسّاً مباشراً بكرامة المدينة وحتى بوجودها.

والأمن في زحلة كما الكهرباء، وحدهما قادران على تحريك ردود الفعل في شارعها، وصولاً حتى إلى إسقاط صفات يحرص الزحليون على عدم المسّ بها حول مدينتهم وأهلها، كونها مدينة تعيش تحت سقف القانون ولا تخالفه، ومدينة تحافظ على حسن العلاقات بالجوار، أياً كانت اختلافاتها عنه بتركيبتها البنيوية والاجتماعية.

"طار البلد"
عند حد المس بأمن زحلة وأهلها، يشتد العصب الزحلي، وكأنها حالة دفاعية تريد "الإيحاء" بأن أهل المدينة ليسوا ضعفاء في محيطهم، وأنهم ليسوا ممن "ينام على الضيم". من دون أن يعني ذلك أن المواقف هنا مجردة كلياً من الخلفيات السياسية.

قبل سنوات عندما استفحلت عمليات الخطف على مختلف الأراضي اللبنانية، بقيت زحلة تتصرف وكأنها غير معنية بهذا التعدي المباشر على حرية الإنسان وكرامته.. إلا عندما خُطف نجل أحد القياديين في القوات اللبنانية. حينها نزلت السواتر على الاوتوستراد الذي يربط طرف البقاع الغربي بشماله، لتقوم الدنيا ولا تقعد حتى ما بعد عودة الطفل سالماً إلى والديه.

ببداية ثورة تشرين تعرض شاب زحلي أيضاً لاعتداء مشابه بالسرقة والخطف، حينها أيضاً بدا العصب الزحلي الغاضب على عملية الخطف أكثر شدة منه على ما يتعرض له اللبنانيون عموماً من عملية نهب جماعية تمارسها السلطة الحاكمة بحق شعبها.

في المقابل لم يأت رد الفعل الشعبي ولا حتى النيابي على عملية السطو الأولى التي وقعت بالمدينة في 18 الجاري بحجم الثانية. مع أن حادثة الماكدونالدز شكلت سابقة، حتى بظروف إرتكابها في بداية المساء، أي بوقت ذروة بالنسبة لحركة المطعم، وبينما كان يعج بالفتيان والأطفال. ولعل انتماء صاحب المؤسسة الناشط في التيار الوطني الحر، شكل عاملاً اختصر رد الفعل على الحادثة الأولى بكلمتين صدرا عنه "طار البلد".

نواب "الأمن الذاتي"
ولكن هذه لم تكن الحال في عملية السطو الثانية، وقد يكون لذلك أيضا خلفيات تتعلق بالمكان الذي وقعت فيه الحادثة، بحي من أحياء زحلة يشكل عقر دار القوات اللبنانية ومناصريها في المدينة. وإذا ما راعينا "النمطية" المقتبسة من التجارب، والتي تربط كل عملية سرقة أو سطو أو خطف بالبيئة الشيعية ومحمياتها في منطقة البقاع الشمالي، يصبح توقع رد الفعل الذي شهدناه حول الحادثة الثانية منطقياً.

ولكن ما كان ينتظر من الشارع الزحلي، سبقته إليه تصريحات لنواب سابقين وحاليين في المدينة، بدا بعضها أكثر وضوحاً في الدعوة إلى الأمن الذاتي من غيرها، وخصوصاً تلك التي صدرت عن نائب القوات اللبنانية سيزار المعلوف الذي قال إن "ما يحصل في زحلة من سرقات وتعديات مرفوض بجميع المقاييس. ونظراً لتخلف الدولة في السهر على أمن وحراسة المدينة وقضائها، فشبابنا وشيبنا هم الحراس". مضيفاً "لقد حذرت مراراً وتكراراً من النتائج الوخيمة نتيجة تراخي قبضة الدولة أمنياً. إنه الإنذار الأخير لما تبقى من هذه المنظومة المهترئة. ولا لوم علينا من بعدها من اللجوء إلى الأمن الذاتي".

فيما أكد النائب جورج عقيص بأننا "لن ننجر إلى الفتنة ولا إلى العزلة. بل نجدد إلتزامنا بالقانون واللجوء إلى القوى الأمنية لرعاية أمننا، ولكن لن نقف مكتوفي الأيدي إذا إستمر الاعتداء علينا". وكذلك رأى النائب ميشال ضاهر "أن ما يجري من تفلت أمني في زحلة وقضائها لم يعد مقبولاً بأي معيار، رغم كل الجهود المبذولة من القوى الأمنية". وطالب "بزيادة عديد القوى الأمنية والتشدد بالإجراءات كي لا تضطر الناس للجوء إلى الأمن الذاتي، فنكون عندها أمام المشهد الأخير من مظاهر إنهيار الدولة".

خطة أمنية
بالمقابل ليست التصريحات وحدها التي تعاملت مع عمليتي السطو في زحلة كحالة خاصة. إنما المواكبة المحلية الأمنية لها، أيضاً جاءت سريعة على مستوى محافظة البقاع، حين ذكر محافظ البقاع كمال أبو جوده أنه دعا فور وقوع عملية السطو الأولى بالمدينة إلى اجتماع للقيادات الأمنية في المنطقة، حضره أيضاً رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب، وخصص لوضع خطة أمنية تؤمن جواً رادعاً لتكرار هذه الحوادث، مع تأكيد أبو جوده بأن هذه العمليات ليست محصورة في زحلة، إنما هناك استسهال لإرتكابها في منطقة، بإمكان السارقين الهرب منها مباشرة بعد إرتكاب عملياتهم. متوقعاً أن يبدأ الزحليون بتلمس نتائج هذه الخطة في وقت قريب!

لن يتحدث المعنيون هنا عن الأسباب التي قد تدفع السلطات الرسمية لتخصيص مدينة ما رعاية أمنية مباشرة، إلا أنه لا بد أن يكون لذلك خلفيات ترتبط بمحاذير تحول الدعوات للأمن الذاتي واقعاً على الأرض، وما قد يحمله ذلك من مخاطر الفتن الاجتماعية وحتى الطائفية، سواء داخل الأحياء نفسها أو مع المحيط، خصوصاً أن زحلة بموقعها وتكوينها السياسي والاجتماعي وحتى الطائفي لا يمكن أن تشبه لا المتن ولا بشري.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024